الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ذُكُورٍ فَصَلاَةُ النِّسَاءِ مُجْزِئَةٌ وَصَلاَةُ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ الذُّكُورِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَقَصَرَهُنَّ عَنْ أَنْ يَكُنَّ، أَوْلِيَاءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ إمَامَ رَجُلٍ فِي صَلاَةٍ بِحَالٍ أَبَدًا وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ صَلَّى مَعَ الْمَرْأَةِ خُنْثَى مُشْكِلٌ لَمْ تَجْزِهِ صَلاَتُهُ مَعَهَا وَلَوْ صَلَّى مَعَهَا خُنْثَى مُشْكِلٌ وَلَمْ يَقْضِ صَلاَتَهُ حَتَّى بَانَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ وَحَسِبْت أَنَّهُ لاَ تُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَ صَلَّى مَعَهَا مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهَا حُجَيْرَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَمَّتْهُنَّ فَقَامَتْ وَسَطًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَوَى اللَّيْثُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِنِسْوَةٍ الْعَصْرَ فَقَامَتْ فِي وَسَطِهِنَّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ: إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِالنِّسَاءِ تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَقُومُ بِأَهْلِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَتْ عَمْرَةُ تَأْمُرُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَقُومَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا وَآمُرُهَا أَنْ تَقُومَ فِي وَسَطِ الصَّفِّ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ كَثِيرٌ أَمَرْت أَنْ يَقُومَ الصَّفُّ الثَّانِي خَلْفَ صَفِّهَا وَكَذَلِكَ الصُّفُوفُ وَتَصُفُّهُنَّ صُفُوفَ الرِّجَالِ إذَا كَثُرْنَ لاَ يُخَالِفْنَ الرِّجَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ صُفُوفِهِنَّ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْمَرْأَةُ وَسَطًا وَتَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ الَّذِي يُجْهَرُ بِهِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قَامَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَ النِّسَاءِ فَصَلاَتُهَا وَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهَا مُجْزِئَةٌ عَنْهُنَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَؤُمَّ النِّسَاءَ مِنْهُنَّ إلَّا حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مُتَقَنِّعَةً فَإِنْ أَمَّتْ أَمَةٌ مُتَقَنِّعَةٌ، أَوْ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ حَرَائِرَ فَصَلاَتُهَا وَصَلاَتُهُنَّ مُجْزِئَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا فَرْضُهَا وَهَذَا فَرْضُهُنَّ. وَإِمَامَةُ الْقَاعِدِ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ أَكْثَرُ مِنْ إمَامَةِ أَمَةٍ مَكْشُوفَةِ الرَّأْسِ وَحَرَائِرَ مُتَقَنِّعَاتٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى قَالَ: فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ نُصَلِّيَ؟» فَأَشَارَ لَهُ إلَى مَكَان مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَخْلِفُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ أَعْمَى فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي عَدَدِ غَزَوَاتٍ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ إمَامَةَ الْأَعْمَى وَالْأَعْمَى إذَا سَدَّدَ إلَى الْقِبْلَةِ إلَيَّ كَانَ أَحْرَى أَنْ لاَ يَلْهُوَ بِشَيْءٍ تَرَاهُ عَيْنَاهُ وَمَنْ أَمَّ صَحِيحًا كَانَ أَوْ أَعْمَى فَأَقَامَ الصَّلَوَاتِ أَجْزَأَتْ صَلاَتُهُ وَلاَ أَخْتَارُ إمَامَةَ الْأَعْمَى عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامًا بَصِيرًا، وَلاَ إمَامَةَ الصَّحِيحِ عَلَى الْأَعْمَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجِدُ عَدَدًا مِنْ الْأَصِحَّاءِ يَأْمُرُهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ مَنْ أَمَرَ بِهَا مِنْ الْعُمْيِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَعْلَى الْوَادِي هُوَ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ كَثِيرٌ فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ وَأَبُو عَمْرٍو غُلاَمُهَا حِينَئِذٍ لَمْ يَعْتِقْ قَالَ: وَكَانَ إمَامَ بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يُقَدَّمَ أَهْلُ الْفَضْلِ فِي الْإِمَامَةِ عَلَى مَا وَصَفْت وَأَنْ يُقَدَّمَ الْأَحْرَارُ عَلَى الْمَمَالِيكِ وَلَيْسَ بِضِيقٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَمْلُوكُ الْأَحْرَارَ إمَامًا فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً وَلاَ فِي طَرِيقٍ وَلاَ فِي مَنْزِلٍ وَلاَ فِي جُمُعَةٍ وَلاَ عِيدٍ وَلاَ غَيْرِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ كَيْفَ يَؤُمُّ فِي الْجُمُعَةِ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ؟ قِيلَ لَيْسَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَعْنَى مَا ذَهَبْت إلَيْهِ إنَّمَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ بِضِيقٍ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهَا كَمَا لَيْسَ بِضِيقٍ عَلَى خَائِفٍ وَلاَ مُسَافِرٍ، وَأَيُّ هَؤُلاَءِ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ إذَا كَانَ إذَا حَضَرَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَهِيَ رَكْعَتَا الظُّهْرِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعٌ فَصَلَّاهَا بِأَهْلِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَعَنْهُمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ فِيمَا حَوْلَ مَكَّةَ قَالَ: حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ فِي أَعْلَى الْوَادِي هَا هُنَا وَفِي الْحَجِّ قَالَ: فَحَانَتْ الصَّلاَةُ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي السَّائِبِ أَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ قَالَ: فَأَخَّرَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَقَدَّمَ غَيْرَهُ فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى جَاءَ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا جَاءَ الْمَدِينَةَ عَرَّفَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الْمِسْوَرُ: أَنْظِرْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ الرَّجُلَ كَانَ أَعْجَمِيَّ اللِّسَانِ وَكَانَ فِي الْحَجِّ فَخَشِيت أَنْ يَسْمَعَ بَعْضُ الْحَاجِّ قِرَاءَتَهُ فَيَأْخُذَ بِعُجْمَتِهِ فَقَالَ هُنَالِكَ ذَهَبْت بِهَا فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ: قَدْ أَصَبْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ مَا صَنَعَ الْمِسْوَرُ وَأَقَرَّ لَهُ عُمَرُ مِنْ تَأْخِيرِ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَؤُمَّ وَلَيْسَ بِوَالٍ وَتَقْدِيمِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَعْجَمِيًّا. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ رَضِيٍّ فِي دِينِهِ وَلاَ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ الصَّلاَةِ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ حَافِظًا لِمَا يَقْرَأُ فَصِيحًا بِهِ وَأَكْرَهُ إمَامَةَ مَنْ يَلْحَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيلُ بِاللَّحْنِ الْمَعْنَى فَإِنْ أَمَّ أَعْجَمِيٌّ، أَوْ لَحَّانٌ فَأَفْصَحَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، أَوْ لَحَنَ فِيهَا لَحْنًا لاَ يُحِيلُ مَعْنَى شَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ وَأَجْزَأَتْهُمْ، وَإِنْ لَحَنَ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ مَعْنَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ تَجْزِ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتُهُمْ وَأَجْزَأَتْهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَهُ كَمَا يَجْزِيه أَنْ يُصَلِّيَ بِلاَ قِرَاءَةٍ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ. وَمِثْلُ هَذَا إنْ لَفَظَ مِنْهَا بِشَيْءٍ بِالْأَعْجَمِيَّةِ وَهُوَ لاَ يُحْسِنُ غَيْرَهُ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَلَمْ تُجْزِ مَنْ خَلْفَهُ قَرَءُوا مَعَهُ، أَوْ لَمْ يَقْرَءُوا وَإِذَا ائْتَمُّوا بِهِ فَإِنْ أَقَامَا مَعًا أُمَّ الْقُرْآنِ، أَوْ لَحَنَا، أَوْ نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ، أَوْ لِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ غَيْرِهَا أَجْزَأَتْهُ وَمَنْ خَلْفَهُ صَلاَتُهُمْ إذَا كَانَ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ لِمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ عُجْمَةٍ وَلَحْنٍ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَلاَمًا غَيْرَ الْقِرَاءَةِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، فَإِنْ ائْتَمُّوا بِهِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ صَلاَتِهِ حِينَ فَسَدَتْ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ، أَوْ صَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ فُرَادَى أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَؤُمُّ نَاسًا بِالْعَقِيقِ فَنَهَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِنَّمَا نَهَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ أَنْ يُنَصَّبَ مَنْ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ إمَامًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَوْضِعُ فَضْلٍ وَتَجْزِي مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ صَلاَتُهُمْ، وَتَجْزِيهِ إنْ فَعَلَ وَكَذَلِكَ أَكْرَهُ إمَامَةَ الْفَاسِقِ وَالْمُظْهِرِ الْبِدَعَ وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ إذَا أَقَامَ الصَّلاَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا أَمَّ الْغُلاَمُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلاَةَ وَيَقْرَأُ، الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَإِذَا أَقَامَ الصَّلاَةَ أَجْزَأَتْهُمْ إمَامَتُهُ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لاَ يَؤُمَّ إلَّا بَالِغٌ وَأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ الْبَالِغُ عَالِمًا بِمَا لَعَلَّهُ يَعْرِضُ لَهُ فِي الصَّلاَةِ.
قَالَ وَإِذَا أَمَّ الْأُمِّيُّ، أَوْ مَنْ لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَإِنْ أَحْسَنَ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُحْسِنْ أُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ يَجْزِ الَّذِي يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ صَلاَتُهُ مَعَهُ وَإِنْ أَمَّ مَنْ لاَ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ أَجْزَأَتْ مَنْ لاَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ صَلاَتُهُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَيُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ، أَوْ ثَمَانِ آيَاتٍ وَمَنْ خَلْفَهُ لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَيُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا أَكْثَرَ مِمَّا يُحْسِنُ الْإِمَامُ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ مَعَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَالْإِمَامُ يُحْسِنُ مَا يَجْزِيهِ فِي صَلاَتِهِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ أُمَّ الْقُرْآنِ وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ قَوْمًا يَقْرَءُونَ فَلاَ يَدْرُونَ أَيُحْسِنُ يَقْرَأُ أَمْ لاَ فَإِذَا هُوَ لاَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَيَتَكَلَّمُ بِسَجَاعَةٍ فِي الْقُرْآنِ لَمْ تُجْزِئْهُمْ صَلاَتُهُمْ وَابْتَدَءُوا الصَّلاَةَ وَعَلَيْهِمْ إذَا سَجَعَ مَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الصَّلاَةِ خَلْفَهُ وَإِنَّمَا جَعَلْت ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَبْتَدِئُوا صَلاَتَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَإِنَّ سَجَاعَتَهُ كَالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ مَعَهُ وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ يُحْسِنُ يَقْرَأُ فَابْتَدَءُوا الصَّلاَةَ مَعَهُ، ثُمَّ سَجَعَ أَحْبَبْت لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ إمَامَتِهِ وَيَبْتَدِئُوا الصَّلاَةَ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، أَوْ خَرَجُوا حِينَ سَجَعَ مِنْ صَلاَتِهِ فَصَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ قَدَّمُوا غَيْرَهُ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ كَمَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ لَوْ صَلُّوا خَلْفَ مَنْ يُحْسِنُ يَقْرَأُ فَأَفْسَدَ صَلاَتَهُ بِكَلاَمٍ عَمْدٍ، أَوْ عَمَلٍ وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُمْ بِإِفْسَادِ صَلاَتِهِ إذَا كَانَ لَهُمْ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَهُ وَإِذَا صَلَّى لَهُمْ مَنْ لاَ يَدْرُونَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ أَمْ لاَ صَلاَةً لاَ يَجْهَرُ فِيهَا أَحْبَبْت لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلاَةَ احْتِيَاطًا، وَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لاَ يَتَقَدَّمُ قَوْمًا فِي صَلاَةٍ إلَّا مُحْسِنًا لِمَا تُجْزِئهُ بِهِ الصَّلاَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا أَمَّهُمْ فِي صَلاَةٍ يُجْهَرُ فِيهَا فَلَمْ يَقْرَأْ أَعَادُوا الصَّلاَةَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ قَالَ: قَدْ قَرَأْت فِي نَفْسِي فَإِنْ كَانُوا لاَ يَعْلَمُونَهُ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ أَحْبَبْت لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلاَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ يُحْسِنُ يَقْرَأُ وَلَمْ يَقْرَأْ قِرَاءَةً يَسْمَعُونَهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ أَنْ اُمْكُثُوا، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ وَقَالَ «إنِّي كُنْت جُنُبًا فَنَسِيت». أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهَذَا يُشْبِهُ أَحْكَامَ الْإِسْلاَمِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كُلِّفُوا فِي غَيْرِهِمْ الْأَغْلَبَ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُمْ وَأَنَّ مُسْلِمًا لاَ يُصَلِّي إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ فَمَنْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ كَانَ جُنُبًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ أَمَّتْ نِسَاءً، ثُمَّ عَلِمْنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا أَجْزَأَتْ الْمَأْمُومِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ صَلاَتُهُمْ وَأَعَادَ الْإِمَامُ صَلاَتَهُ. وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي صَلاَتِهِ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، ثُمَّ صَلَّوْا مَعَهُ لَمْ تَجْزِهِمْ صَلاَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا بِصَلاَةِ مَنْ لاَ تَجُوزُ لَهُ الصَّلاَةُ عَالِمِينَ وَلَوْ دَخَلُوا مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ غَيْرَ عَالِمِينَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَعَلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُكْمِلُوا الصَّلاَةَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُتِمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ وَيَنْوُونَ الْخُرُوجَ مِنْ إمَامَتِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ فَتَجُوزُ صَلاَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَأَقَامُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ، أَوْ غَيْرَ نَاوِينَ الْخُرُوجَ مِنْ إمَامَتِهِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُمْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ اسْتِئْنَافُهَا لِأَنَّهُمْ قَدْ ائْتَمُّوا بِصَلاَةِ مَنْ لاَ تَجُوزُ لَهُمْ الصَّلاَةُ خَلْفَهُ عَالِمِينَ وَإِذَا اخْتَلَفَ عِلْمُهُمْ فَعَلِمَتْ طَائِفَةٌ وَطَائِفَةٌ لَمْ تَعْلَمْ فَصَلاَةُ الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزَةٌ وَصَلاَةُ الَّذِينَ عَلِمُوا أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَقَامُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ غَيْرُ جَائِرَةٍ وَلَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ طَاهِرًا، ثُمَّ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ فَمَضَى عَلَى صَلاَتِهِ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا كَانَ هَكَذَا وَعَمْدُ الْإِمَامِ وَنِسْيَانُهُ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْعَمْدِ وَلاَ يَأْثَمُ بِالنِّسْيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَافِرًا أَمَّ قَوْمًا مُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْلَمُوا كُفْرَهُ، أَوْ يَعْلَمُوا لَمْ تَجْزِهِمْ صَلاَتُهُمْ وَلَمْ تَكُنْ صَلاَتُهُ إسْلاَمًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلاَمِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَيُعَزَّرُ الْكَافِرُ وَقَدْ أَسَاءَ مَنْ صَلَّى وَرَاءَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَافِرٌ وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ غَرِيبٌ بِقَوْمٍ، ثُمَّ شَكُّوا فِي صَلاَتِهِمْ فَلَمْ يَدْرُوا أَكَانَ كَافِرًا، أَوْ مُسْلِمًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ كَافِرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَلاَتَهُ صَلاَةُ الْمُسْلِمِينَ لاَ تَكُونُ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ مَنْ أَمَّ فَعَلِمَ كُفْرَهُ مِثْلُ مُسْلِمٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لاَ يَكُونُ إمَامًا فِي حَالٍ وَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ إمَامًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا طَاهِرًا وَهَكَذَا لَوْ كَانَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ، ثُمَّ أَمَّ وَهُوَ مُرْتَدٌّ لَمْ تَجْزِ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَ التَّوْبَةَ بِالْكَلاَمِ قَبْلَ إمَامَتِهِمْ فَإِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بِالْكَلاَمِ قَبْلَ إمَامَتِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ مَعَهُ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ حَالاَنِ حَالٌ كَانَ فِيهَا مُرْتَدًّا وَحَالٌ كَانَ فِيهَا مُسْلِمًا فَأَمَّهُمْ فَلَمْ يَدْرُوا فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ أَمَّهُمْ أَحْبَبْت أَنْ يُعِيدُوا وَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ أَمَّهُمْ مُرْتَدًّا وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا أَسْلَمَ، ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا، ثُمَّ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ فَمَنْ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ إسْلاَمِهِ وَقَبْلَ جَحْدِهِ فَصَلاَتُهُ جَائِزَةٌ وَمَنْ ائْتَمَّ بَعْدَ جَحْدِهِ أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ لَمْ تَجْزِهِ صَلاَتُهُ حَتَّى يُجَدِّدَ إسْلاَمَهُ، ثُمَّ يَؤُمَّهُمْ بَعْدَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمَجْنُونُ الْقَوْمَ فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَأَمَّهُمْ فِي إفَاقَتِهِ فَصَلاَتُهُ وَصَلاَتُهُمْ مُجْزِئَةٌ وَإِنْ أَمَّهُمْ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُجْزِهِمْ وَلاَ إيَّاهُ صَلاَتُهُمْ وَلَوْ أَمَّهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُ وَعَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَذْهَبَ عَقْلَهُ فَخَرَجُوا مِنْ إمَامَتِهِ مَكَانَهُمْ صَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ. وَإِنْ بَنَوْا عَلَى الِائْتِمَامِ شَيْئًا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ مَعَهُ بَعْدَ مَا عَلِمُوا أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ تَجْزِهِمْ صَلاَتُهُمْ خَلْفَهُ وَإِنْ أَمَّ سَكْرَانُ لاَ يَعْقِلُ فَمِثْلُ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ أَمَّ شَارِبٌ يَعْقِلُ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ وَأَجْزَأَتْ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ فَإِنْ أَمَّهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُ، ثُمَّ غُلِبَ بِسُكْرٍ فَمِثْلُ مَا وَصَفْت مِنْ الْمَجْنُونِ لاَ يُخَالِفُهُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْت أَنَا وَيَتِيمٌ لَنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَمَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ عَمِلَهُ لَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ وَلَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَعِدَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ، ثُمَّ صَعِدَ فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ سَجَدَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ فَاضْطَجَعْت فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْت فَصَنَعْت مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْت فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى فَفَتَلَهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَا حَكَيْت مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي النَّافِلَةِ لَيْلاً وَنَهَارًا جَائِزَةٌ وَأَنَّهَا كَالْإِمَامَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ لاَ يَخْتَلِفَانِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْقِفَ الْإِمَامِ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ مُنْفَرِدًا وَالْمَأْمُومَانِ فَأَكْثَرُ خَلْفَهُ وَإِذَا أَمَّ رَجُلٌ بِرَجُلَيْنِ فَقَامَ مُنْفَرِدًا أَمَامَهُمَا وَقَامَا صَفًّا خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ الْمَأْمُومِينَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَخَنَاثَى مُشْكِلُونَ وَقَفَ الرِّجَالُ يَلُونَ الْإِمَامَ وَالْخَنَاثَى خَلْفَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الْخَنَاثَى وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا خُنْثَى مُشْكِلٌ وَاحِدٌ وَإِذَا أَمَّ رَجُلٌ رَجُلاً وَاحِدًا أَقَامَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ عَنْ يَمِينِهِ وَإِذَا أَمَّ خُنْثَى مُشْكِلاً، أَوْ امْرَأَةً قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلْفَهُ لاَ بِحِذَائِهِ وَإِذَا أَمَّ رَجُلٌ رَجُلاً فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ، أَوْ خَلْفَهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُمَا وَلاَ إعَادَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَجْزَأَتْ صَلاَتُهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَّ اثْنَيْنِ فَوَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ مَعًا، أَوْ يَمِينِهِ، أَوْ وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَنْ جَنْبِهِ وَالْآخَرُ خَلْفَهُ، أَوْ وَقَفَا مَعًا خَلْفَهُ مُنْفَرِدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُمَا وَلاَ إعَادَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ وَإِنَّمَا أَجَزْت هَذَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَوَقَفَ إلَى جَنْبِهِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ لَمْ يَفْسُدْ أَنْ يَكُونَ إلَى جَنْبِهِ اثْنَانِ وَلاَ جَمَاعَةٌ وَلاَ يَفْسُدُ أَنْ يَكُونُوا عَنْ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إلَى جَنْبِهِ وَإِنَّمَا أَجْزَأَتْ صَلاَةُ الْمُنْفَرِدِ وَحْدَهُ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْعَجُوزَ صَلَّتْ مُنْفَرِدَةً خَلْفَ أَنَسٍ وَآخَرُ مَعَهُ وَهُمَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَوَقَفْت خَلْفَهُ وَهُوَ يُصَلِّي قَائِمًا فَوَقَفْت خَلْفَهُ لِأُصَلِّيَ مَعَهُ فَأَخَذَنِي بِيَدِهِ فَأَوْقَفَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَنَظَرْت خَلْفَ ظَهْرِهِ الْخَاتَمُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ يُشْبِهُ الْحَاجِبَ الْمُقَوَّسَ وَنُقَطٌ سَوَادٌ فِي طَرَفِ الْخَاتَمِ وَنُقَطٌ سَوَادٌ فِي طَرَفِهِ الْآخَرِ فَقُمْت إلَيْهِ فَقَبَّلْت الْخَاتَمَ. وَلَوْ وَقَفَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ أَمَامَ الْإِمَامِ يَأْتَمُّ بِهِ أَجْزَأَتْ الْإِمَامَ وَمَنْ صَلَّى إلَى جَنْبِهِ، أَوْ خَلْفَهُ صَلاَتُهُمْ وَلَمْ يُجْزِ ذَلِكَ مَنْ وَقَفَ أَمَامَ الْإِمَامِ صَلاَتُهُ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَمَامَ لِمَأْمُومٍ، أَوْ حِذَاءَهُ لاَ خَلْفَهُ وَسَوَاءٌ قَرُبَ ذَلِكَ، أَوْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ أَمَامَ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ صَفٌّ فِي غَيْرِ مَكَّةَ فَتَعَوَّجَ الصَّفُّ حَتَّى صَارَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إلَى حَدِّ الْقِبْلَةِ، أَوْ السُّتْرَةِ مَا كَانَتْ السُّتْرَةُ مِنْ الْإِمَامِ لَمْ تَجْزِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِبْلَةِ مِنْهُ صَلاَتُهُ وَإِنْ كَانَ يَرَى صَلاَةَ الْإِمَامِ وَلَوْ شَكَّ الْمَأْمُومُ أَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِبْلَةِ، أَوْ الْإِمَامُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُعِيدَ وَلاَ يَتَبَيَّنُ لِي أَنْ يُعِيدَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِبْلَةِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَوْ أَمَّ إمَامٌ بِمَكَّةَ وَهُمْ يُصَلُّونَ بِهَا صُفُوفًا مُسْتَدِيرَةً يَسْتَقْبِلُ كُلُّهُمْ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- عِنْدِي أَنْ يَصْنَعُوا كَمَا يَصْنَعُونَ فِي الْإِمَامِ وَأَنْ يَجْتَهِدُوا حَتَّى يَتَأَخَّرُوا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَنْ الْبَيْتِ تَأَخُّرًا يَكُونُ فِيهِ الْإِمَامُ أَقْرَبَ إلَى الْبَيْتِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ يَبِينُ لِمَنْ زَالَ عَنْ حَدِّ الْإِمَامِ وَقُرْبِهِ مِنْ الْبَيْتِ عَنْ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَتَبَايَنْ ذَلِكَ تَبَايُنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ صَفًّا وَاحِدًا مُسْتَقْبِلِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْت وَلاَ يَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إعَادَةُ صَلاَةٍ حَتَّى يَعْلَمَ الَّذِينَ يَسْتَقْبِلُونَ وَجْهَ الْقِبْلَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ قَدْ تَقَدَّمُوا الْإِمَامَ وَكَانُوا أَقْرَبَ إلَى الْبَيْتِ مِنْهُ فَإِذَا عَلِمُوا أَعَادُوا فَأَمَّا الَّذِينَ يَسْتَقْبِلُونَ الْكَعْبَةَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا فَيَجْتَهِدُونَ كَمَا يُصَلُّونَ أَنْ يَكُونُوا أَنْأَى عَنْ الْبَيْتِ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَعَلِمُوا، أَوْ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْإِمَامِ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَالْإِمَامَ. وَإِنْ اجْتَمَعَا أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا يَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ بِجِهَتِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا عَقَلَ الْمَأْمُومُ صَلاَةَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ. قال: وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يُصَلُّونَ مُسْتَدْبِرِي الْكَعْبَةِ وَالْإِمَامُ فِي وَجْهِهَا وَلَمْ أَعْلَمْهُمْ يَتَحَفَّظُونَ وَلاَ أُمِرُوا بِالتَّحَفُّظِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جِهَتُهُ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرَ جِهَةِ الْإِمَامِ، أَوْ يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْبَيْتِ مِنْهُ وَقَلَّمَا يُضْبَطُ هَذَا حَوْلَ الْبَيْتِ إلَّا بِالشَّيْءِ الْمُتَبَايِنِ جِدًّا وَهَكَذَا لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فَوَقَفَ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، أَوْ أَحَدِ جِهَتِهَا غَيْرِ وَجْهِهَا لَمْ يَجُزْ لِلَّذِينَ يُصَلُّونَ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا خَلْفَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَعَادُوا وَأَجْزَأَ مَنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَإِنْ صَلَّى وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْهُ وَالِاخْتِيَارُ لَهُمْ أَنْ يَتَحَرَّوْا أَنْ يَكُونُوا خَلْفَهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَمَّ رِجَالاً وَنِسَاءً فَقَامَ النِّسَاءُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالرِّجَالُ خَلْفَهُنَّ، أَوْ قَامَ النِّسَاءُ حِذَاءَ الْإِمَامِ فَائْتَمَمْنَ بِهِ وَالرِّجَالُ إلَى جَنْبِهِنَّ كَرِهْت ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْإِمَامِ وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَلاَتُهُ وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا؛ لِأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ. أَخْبَرَنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلاَتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَخَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ فَرَكَزَهَا فَصَلَّى إلَيْهَا وَالْكَلْبُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا لَمْ تُفْسِدْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُصَلِّي أَنْ تَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهِيَ إذَا كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَحْرَى أَنْ لاَ تُفْسِدَ عَلَيْهِ وَالْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ أَوْ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ رَجُلٌ يَقِفُ مَوْقِفَ الرِّجَالِ فِي الصَّلاَةِ وَيَؤُمُّ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَرِثُ وَيُورَثُ وَيَثْبُتُ لَهُ سَهْمٌ فِي الْقِتَالِ وَعَطَاءٌ فِي الْفَيْءِ وَإِذَا كَانَ الْخُنْثَى مُشْكِلاً فَصَلَّى مَعَ إمَامٍ وَحْدَهُ وَقَفَ خَلْفَهُ وَإِنْ صَلَّى مَعَ جَمَاعَةٍ وَقَفَ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَحْدَهُ وَأَمَامَ صُفُوفِ النِّسَاءِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلاَةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَنْ حَدَّثَ مَعَهُ فِي صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَمَنْ خَلْفَهُ جُلُوسًا- مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا. فَهَذَا مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ نَاسِخَةٌ مَعْقُولاً أَلاَ تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ صَلَّى جَالِسًا وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضَهُ وَصَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ غَيْرِهِ قِيَامًا إذَا أَطَاقُوهُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرْضُهُ فَكَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي فَرْضَهُ قَائِمًا إذَا أَطَاقَ وَجَالِسًا إذَا لَمْ يُطِقْ وَكَذَلِكَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَمُومِيًا إنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَيُصَلِّي الْمَأْمُومُونَ كَمَا يُطِيقُونَ فَيُصَلِّي كُلٌّ فَرْضَهُ فَتَجْزِي كُلًّا صَلاَتُهُ وَلَوْ صَلَّى إمَامٌ مَكْتُوبَةً بِقَوْمٍ جَالِسًا وَهُوَ يُطِيقُ الْقِيَامَ وَمَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا كَانَ الْإِمَامُ مُسِيئًا وَلاَ تُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ وَأَجْزَأَتْ مَنْ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ يُطِيقُ الْقِيَامَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ يَرَى صِحَّةً بَادِيَةً وَجَلَدًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَجِدُ مَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ وَلَوْ عَلِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُصَلِّي جَالِسًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَصَلَّى وَرَاءَهُ قَائِمًا أَعَادَ لِأَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ صَلاَتَهُ لاَ تُجْزِي عَنْهُ وَلَوْ صَلَّى أَحَدٌ يُطِيقُ الْقِيَامَ خَلْفَ إمَامٍ قَاعِدٍ فَقَعَدَ مَعَهُ لَمْ تَجُزْ صَلاَتُهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بَعْضَ الصَّلاَةِ قَاعِدًا، ثُمَّ أَطَاقَ الْقِيَامَ كَانَ عَلَيْهِ حِينَ أَطَاقَ الْقِيَامَ أَنْ يَقُومَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ وَلاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ تِلْكَ الصَّلاَةَ وَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ. وَلَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ الصَّلاَةَ قَائِمًا، ثُمَّ مَرِضَ حَتَّى لاَ يُطِيقَ الْقِيَامَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ لِيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ جَالِسًا وَالْمَرْأَةُ تَؤُمُّ النِّسَاءَ وَالرَّجُلُ يَؤُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَإِنْ أَمَّتْ أَمَةٌ نِسَاءً فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ أَجْزَأَتْهَا وَإِيَّاهُنَّ صَلاَتُهُنَّ فَإِنْ عَتَقَتْ فَعَلَيْهَا أَنْ تُقَنِّعَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهَا وَلَوْ لَمْ تَفْعَلْ وَهِيَ عَالِمَةٌ أَنْ قَدْ عَتَقَتْ وَغَيْرُ عَالِمَةٍ أَعَادَتْ صَلاَتَهَا تِلْكَ وَكُلَّ صَلاَةٍ صَلَّتْهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا حُذَيْفَةُ عَلَى دُكَّانٍ مُرْتَفِعٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ فَجَبَذَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فَتَابَعَهُ حُذَيْفَةُ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: أَبُو مَسْعُودٍ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: حُذَيْفَةُ أَلَمْ تَرَنِي قَدْ تَابَعْتُك؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْتَارُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَعْلَمُ مَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الشَّيْءِ الْمُرْتَفِعِ لِيَرَاهُ مَنْ وَرَاءَهُ فَيَقْتَدُونَ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فَإِذَا كَانَ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْهُ مُتَضَايِقًا عَنْهُ إذَا سَجَدَ، أَوْ مُتَعَادِيًا عَلَيْهِ كَتَضَايُقِ الْمِنْبَرِ وَتَعَادِيهِ بِارْتِفَاعِ بَعْضِ دَرَجِهِ عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَرْجِعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يَصِيرَ إلَى الِاسْتِوَاءِ، ثُمَّ يَسْجُدَ ثُمَّ يَعُودَ إلَى مَقَامِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَضَايِقًا، أَوْ مُتَعَادِيًا، أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ الْقَهْقَرَى، أَوْ يَتَقَدَّمَ فَلْيَتَقَدَّمْ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ مِنْ شَأْنِ الْمُصَلِّينَ فَإِنْ اسْتَأْخَرَ فَلاَ بَأْسَ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ لاَ يَتَضَايَقُ إذَا سَجَدَ وَلاَ يَتَعَادَى سَجَدَ عَلَيْهِ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَلاَ يَتَأَخَّرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا رَجَعَ لِلسُّجُودِ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- لِتَضَايُقِ الْمِنْبَرِ وَتَعَادِيهِ وَإِنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، أَوْ تَقَدَّمَ، أَوْ مَشَى مَشْيًا غَيْرَ مُنْحَرِفٍ إلَى الْقِبْلَةِ مُتَبَايِنًا، أَوْ مَشَى يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ كَرِهْته لَهُ وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ وَلاَ تُوجِبُ عَلَيْهِ سُجُودَ سَهْوٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مُتَبَاعِدًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَبَاعِدًا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ عَلَّمَ النَّاسَ مَرَّةً أَحْبَبْت أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَوِيًا مَعَ الْمَأْمُومِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَانَ مَقَامُهُ فِيهَا سِوَاهَا بِالْأَرْضِ مَعَ الْمَأْمُومِينَ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلنَّاسِ وَلَوْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُمْ، أَوْ أَخْفَضَ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ وَلاَ صَلاَتُهُمْ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَأْمُومُ مِنْ فَوْقِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ صَوْتَهُ، أَوْ يَرَى بَعْضَ مَنْ خَلْفَهُ فَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْمُؤَذِّنِينَ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ فَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْت قَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَهُمْ أَحَبَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَوْ أَنَّهُمْ هَبَطُوا إلَى الْمَسْجِدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يُصَلِّي فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَوْقِفُ الْمَرْأَةِ إذَا أَمَّتْ النِّسَاءَ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ فَإِنْ قَامَتْ مُتَقَدِّمَةً النِّسَاءَ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهَا وَلاَ صَلاَتُهُنَّ جَمِيعًا وَهِيَ فِيمَا يُفْسِدُ صَلاَتَهُنَّ وَلاَ يُفْسِدُهَا وَيَجُوزُ لَهُنَّ مِنْ الْمَوَاقِفِ وَلاَ يَجُوزُ كَالرِّجَالِ لاَ يَخْتَلِفْنَ هُنَّ وَلاَ هُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، أَوْ الْعَتَمَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ فِي بَنِي سَلِمَةَ قَالَ: فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَالَ فَصَلَّى مَعَهُ مُعَاذٌ قَالَ: فَرَجَعَ فَأَمَّ قَوْمَهُ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ فَقَالُوا لَهُ أَنَافَقْتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَخَّرْت الْعِشَاءَ وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَك، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّنَا فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ تَأَخَّرْت وَصَلَّيْت وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابَ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! اقْرَأْ بِسُورَةِ كَذَا وَسُورَةِ كَذَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اقْرَأْ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} وَنَحْوَهَا». قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْت لِعَمْرٍو إنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ قَالَ: لَهُ اقْرَأْ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ هَذَا، أَوْ نَحْوُهُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا لَهُمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَهِيَ لَهُمْ مَكْتُوبَةٌ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي لَهُمْ الْعِشَاءَ وَهِيَ لَهُ نَافِلَةٌ. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاَةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى لَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْآخِرَةُ مِنْ هَاتَيْنِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَافِلَةٌ وَلِلْآخَرِينَ فَرِيضَةٌ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: وَإِنْ أَدْرَكْت الْعَصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ تُصَلِّ الظُّهْرَ فَاجْعَلْ الَّتِي أَدْرَكْت مَعَ الْإِمَامِ الظُّهْرَ وَصَلِّ الْعَصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ يُخْبِرُ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ يُقَالُ ذَلِكَ إذَا أَدْرَكْت الْعَصْرَ وَلَمْ تُصَلِّ الظُّهْرَ فَاجْعَلْ الَّذِي أَدْرَكْت مَعَ الْإِمَامِ الظُّهْرَ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً كَانَتْ تَفُوتُهُ الْعَتَمَةُ فَيَأْتِي وَالنَّاسُ فِي الْقِيَامِ فَيُصَلِّي مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ وَيَبْنِي عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّهُ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْعَتَمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ مَنْ نَسِيَ الْعَصْرَ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَهُوَ فِي الْمَغْرِبِ فَلْيَجْعَلْهَا الْعَصْرَ فَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلْيُصَلِّ الْعَصْرَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى وَيُرْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَرِيبًا مِنْهُ وَكَانَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ يَقُولُونَ جَاءَ قَوْمٌ إلَى أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ يُرِيدُونَ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ فَوَجَدُوهُ صَلَّى فَقَالُوا مَا جِئْنَا إلَّا لِنُصَلِّيَ مَعَك فَقَالَ لاَ أُخَيِّبُكُمْ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو قَطَنٍ عَنْ أَبِي خَلْدَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ إنْسَانٌ لِطَاوُسٍ وَجَدْت النَّاسَ فِي الْقِيَامِ فَجَعَلْتهَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ قَالَ: أَصَبْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ وَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْقِيَاسِ وَنِيَّةُ كُلِّ مُصَلٍّ نِيَّةُ نَفْسِهِ لاَ يُفْسِدُهَا عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَهَا نِيَّةُ غَيْرِهِ وَإِنْ أَمَّهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ مُسَافِرًا يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَهُ مُقِيمٌ بِنِيَّتِهِ وَفَرْضُهُ أَرْبَعٌ، أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْبِقُ الرَّجُلَ بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ وَيَكُونُ فِي الْآخِرَةِ فَيُجْزِي الرَّجُلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُ وَهِيَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْوِي الْمَكْتُوبَةَ فَإِذَا نَوَى مَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً، أَوْ نَذْرًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ الْمَكْتُوبَةَ يَجْزِي عَنْهُ أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ بِفَلاَةٍ يُصَلِّي فَيُصَلَّى بِصَلاَتِهِ فَتُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ وَلاَ يَدْرِي لَعَلَّ الْمُصَلِّيَ صَلَّى نَافِلَةً أَوْ لاَ تَرَى أَنَّا نُفْسِدُ صَلاَةَ الْإِمَامِ وَنُتِمُّ صَلاَةَ مَنْ خَلْفَهُ وَنُفْسِدُ صَلاَةَ مَنْ خَلْفَهُ وَنُتِمُّ صَلاَتَهُ وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ صَلاَةُ الْمَأْمُومِ بِفَسَادِ صَلاَةِ الْإِمَامِ كَانَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ إذَا خَالَفَتْ نِيَّةَ الْمَأْمُومِ أَوْلَى أَنْ لاَ تَفْسُدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ فِيمَا وَصَفْت مِنْ ثُبُوتِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِفَايَةَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْت وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ نَافِلَةً فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَرِيضَةً وَنَوَى الْفَرِيضَةَ فَهِيَ لَهُ فَرِيضَةٌ كَمَا إذَا صَلَّى الْإِمَامُ فَرِيضَةً وَنَوَى الْمَأْمُومُ نَافِلَةً كَانَتْ لِلْمَأْمُومِ نَافِلَةً لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ وَهَكَذَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْعَصْرِ وَقَدْ فَاتَتْهُ الظُّهْرُ فَنَوَى بِصَلاَتِهِ الظُّهْرَ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا وَيُصَلِّي بَعْدَهَا الْعَصْرَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ لاَ يَأْتَمَّ رَجُلٌ إلَّا فِي صَلاَةٍ مَفْرُوضَةٍ يَبْتَدِئَانِهَا مَعًا وَتَكُونُ نِيَّتُهُمَا فِي صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا ائْتَمَّ الرَّجُلُ بِإِمَامٍ فَصَلَّى مَعَهُ رَكْعَةً، أَوْ افْتَتَحَ مَعَهُ وَلَمْ يُكْمِلْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ، أَوْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَمْ يُكْمِلْ الْإِمَامُ صَلاَتَهُ حَتَّى فَسَدَتْ عَلَيْهِ اسْتَأْنَفَ صَلاَتَهُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَالْإِمَامُ مُقِيمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ صَلاَةَ مُقِيمٍ؛ لِأَنَّ عَدَدَ صَلاَةِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ وَإِنْ صَلَّى بِهِ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ الصَّلاَةِ، ثُمَّ خَرَجَ الْمَأْمُومُ مِنْ صَلاَةِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ قَطْعٍ مِنْ الْإِمَامِ لِلصَّلاَةِ وَلاَ عُذْرٍ لِلْمَأْمُومِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَأَحْبَبْت أَنْ يَسْتَأْنِفَ احْتِيَاطًا فَإِنْ بَنَى عَلَى صَلاَةٍ لِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا لَمْ يَبِنْ لِي أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ مُعَاذٍ بَعْدَ مَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ مَعَهُ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتْ الصَّلاَةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُك؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ؟! مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اُمْكُثُوا، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالِاخْتِيَارُ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ حَدَثًا لاَ يَجُوزُ لَهُ مَعَهُ الصَّلاَةُ مِنْ رُعَافٍ، أَوْ انْتِقَاضِ وُضُوءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مَضَى مِنْ صَلاَةِ الْإِمَامِ شَيْءٌ رَكْعَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ فُرَادَى لاَ يُقَدِّمُونَ أَحَدًا وَإِنْ قَدَّمُوا، أَوْ قَدَّمَ إمَامٌ رَجُلاً فَأَتَمَّ لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلاَةِ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثُ بَعْضَ مَنْ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُقَدِّمْهُ الْإِمَامُ فَسَوَاءٌ وَتَجْزِيهِمْ صَلاَتُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ افْتَتَحَ لِلنَّاسِ الصَّلاَةَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ أَبُو بَكْرٍ مَأْمُومًا بَعْدَ أَنْ كَانَ إمَامًا وَصَارَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ افْتَتَحُوا بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ وَهَكَذَا لَوْ اسْتَأْخَرَ الْإِمَامُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ أَجْزَأَتْ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتُهُمْ، وَأَخْتَارُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ هَذَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ أَحَدٌ فِي هَذَا كَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَعَلَهُ وَصَلَّى مَنْ خَلْفَهُ بِصَلاَتِهِ فَصَلاَتُهُمْ جَائِزَةٌ مُجْزِيَةٌ عَنْهُمْ وَأُحِبُّ إذَا جَاءَ الْإِمَامُ وَقَدْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ غَيْرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُتَقَدِّمِ إنْ تَقَدَّمَ بِأَمْرِهِ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يُخَالِفُ هَذَا اسْتِئْخَارَ أَبِي بَكْرٍ وَتَقَدُّمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ هَذَا مُبَاحٌ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ هَذَا شَاءَ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْتَمَّ الْإِمَامُ بِاَلَّذِي يَفْتَتِحُ الصَّلاَةَ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا كَبَّرَ وَقَرَأَ، أَوْ لَمْ يَقْرَأْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ كَانَ مَخْرَجُهُ، أَوْ وُضُوءُهُ، أَوْ غُسْلُهُ قَرِيبًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقِفَ النَّاسُ فِي صَلاَتِهِمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيَرْجِعَ وَيَسْتَأْنِفَ وَيُتِمُّونَ هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَانْتَظَرَهُ الْقَوْمُ فَاسْتَأْنَفَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِتَكْبِيرِهِ وَهُوَ جُنُبٌ وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ خَرَجُوا مِنْ صَلاَتِهِ صَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ التَّكْبِيرِ فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ مُتَبَاعِدًا وَطَهَارَتُهُ تَثْقُلُ صَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ التَّكْبِيرِ لَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ وَكَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ كَلاَمًا فَخَالَفُوهُ وَصَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ قَدَّمُوا غَيْرَهُ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِلْمَأْمُومِينَ إذَا فَسَدَتْ عَلَى الْإِمَامِ صَلاَتُهُ أَنْ يُتِمُّوا فُرَادَى وَلَوْ أَنَّ إمَامًا صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَخَرَجَ فَاغْتَسَلَ وَانْتَظَرَهُ الْقَوْمُ فَرَجَعَ فَبَنَى عَلَى الرَّكْعَةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِمْ صَلاَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ وَهُمْ عَالِمُونَ أَنَّ صَلاَتَهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلاَةٍ صَلَّاهَا جُنُبًا وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَعْلَمْهُ بَعْضٌ فَسَدَتْ صَلاَةُ مَنْ عَلِمَ وَلَمْ تَفْسُدْ صَلاَةُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ أَوْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ فَانْصَرَفَ فَقَدَّمَ آخَرَ، أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ فَقَدَّمَهُ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ خَلْفَهُ، أَوْ تَقَدَّمَ هُوَ مُتَطَوِّعًا بَنَى عَلَى صَلاَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ رَجُلاً وَقَدَّمَ آخَرُونَ غَيْرَهُ فَأَيُّهُمَا تَقَدَّمَ أَجْزَأَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُمَا وَلَوْ أَنَّ إمَامًا صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلاً قَدْ فَاتَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ مَعَ الْإِمَامِ، أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ كَبَّرَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْإِمَامُ مُؤْتَمًّا بِالْإِمَامِ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَى الْإِمَامِ وَجَلَسَ فِي مَثْنَى الْإِمَامِ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى الْإِمَامِ وَتَشَهَّدَ فَإِذَا أَرَادَ السَّلاَمَ قَدَّمَ رَجُلاً لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ صَلاَةِ الْإِمَامِ فَسَلَّمَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَلَّمُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ آخِرًا وَقَامَ هُوَ فَقَضَى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ سَلَّمَ هُوَ بِهِمْ سَاهِيًا وَسَلَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ وَبَنَى هُوَ لِنَفْسِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا ذَاكِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الصَّلاَةَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ وَقَدَّمُوا هُمْ رَجُلاً فَسَلَّمَ بِهِمْ، أَوْ سَلَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلُوا أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ وَلَوْ قَامَ بِهِمْ فَقَامُوا وَرَاءَهُ سَاهِينَ، ثُمَّ ذَكَرُوا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعُوا كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا فَيَتَشَهَّدُوا، ثُمَّ يُسَلِّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ يُسَلِّمَ بِهِمْ غَيْرُهُ، وَلَوْ اتَّبَعُوهُ فَذَكَرُوا رَجَعُوا جُلُوسًا وَلَمْ يَسْجُدُوا وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدُوا إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَسْجُدُوا الْأُخْرَى، أَوْ ذَكَرُوا وَهُمْ سُجُودٌ قَطَعُوا السُّجُودَ عَلَى أَيِّ حَالٍ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ زَائِدُونَ عَلَى الصَّلاَةِ وَهُمْ فِيهَا فَارَقُوا تِلْكَ الْحَالَ إلَى التَّشَهُّدِ، ثُمَّ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ وَسَلَّمُوا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بَعْضُهُمْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَلاَتِهِ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَهَا فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَدَ الْخُرُوجَ مِنْ فَرِيضَةٍ إلَى صَلاَةِ نَافِلَةٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَلاَ خُرُوجَ مِنْ صَلاَةٍ إلَّا بِسَلاَمٍ قَالَ: أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَمَنْ أَحْرَمَ جُنُبًا بِقَوْمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فَخَرَجَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ إحْرَامُ الْقَوْمِ وَكُلُّ مَأْمُومٍ أَحْرَمَ قَبْلَ إمَامِهِ فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا». وَلَيْسَ كَالْمَأْمُومِ يُكَبِّرُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلاَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ كَبَّرَ قَوْمٌ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ صَلاَةِ الْإِمَامِ فَيُحْدِثُ الْإِمَامُ فَيُقَدِّمُ الَّذِي أَحْرَمَ مَعَهُ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلاَةِ الْإِمَامِ مِنْ هَذَا بِسَبِيلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَقَفَا لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامًا لِمَنْ خَلْفَهُ وَلاَ يَأْتَمُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ كَانَ أَحَدُهُمَا إمَامَ الْآخَرِ، أَوْ بِحِذَائِهِ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا مِنْهُ فَصَلَّى خَلْفَهُمَا نَاسٌ يَأْتَمُّونَ بِهِمَا مَعًا لاَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَتْ صَلاَةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُمَا مَعًا فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفْرِدُوا النِّيَّةَ فِي الِائْتِمَامِ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْآخَرِ فَرَكَعُوا بِرُكُوعِهِ كَانُوا خَارِجِينَ بِالْفِعْلِ دُونَ النِّيَّةِ مِنْ إمَامَةِ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ صَلاَةِ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ إمَامٍ أَحْدَثُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامًا قَبْلَ إحْدَاثِهِمْ وَلَوْ أَنَّ الَّذِي أَخَّرَ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ قَدَّمَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ فَائْتَمُّوا بِهِ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا بِالْفِعْلِ دُونَ النِّيَّةِ مِنْ إمَامَتِهِ أَوَّلاً وَمِنْ إمَامَةِ الَّذِي قَدَّمَ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وَلَوْ ائْتَمُّوا بِهِمَا مَعًا ثُمَّ لَمْ يَنْوُوا الْخُرُوجَ مِنْ إمَامَتِهِمَا مَعًا وَالصَّلاَةِ لِأَنْفُسِهِمْ لَمْ تَجْزِهِمْ صَلاَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ افْتَتَحُوا الصَّلاَةَ بِإِمَامَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ائْتَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ قِيلَ الْإِمَامُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَأْمُومٌ عَلِمَ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا ضَعِيفَ الصَّوْتِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَرَى وَيَسْمَعُ وَلَوْ ائْتَمَّ رَجُلٌ بِرَجُلٍ وَائْتَمَّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ لَمْ تَجْزِهِمْ صَلاَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا مَأْمُومًا إنَّمَا الْإِمَامُ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِرُكُوعِ نَفْسِهِ وَسُجُودِهِ لاَ بِرُكُوعِ غَيْرِهِ وَسُجُودِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً رَأَى رَجُلَيْنِ مَعًا وَاقِفَيْنِ مَعًا فَنَوَى أَنْ يَأْتَمَّ بِأَحَدِهِمَا لاَ بِعَيْنِهِ فَصَلَّيَا صَلاَةً وَاحِدَةً لَمْ تَجْزِهِ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ائْتِمَامًا بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّيَا مُنْفَرِدَيْنِ فَائْتَمَّ بِأَحَدِهِمَا لَمْ تَجْزِهِ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِائْتِمَامَ بِاَلَّذِي صَلَّى بِصَلاَتِهِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ تُجْزِئُهُ صَلاَةٌ خَلْفَ إمَامٍ حَتَّى يُفْرِدَ النِّيَّةَ فِي إمَامٍ وَاحِدٍ فَإِذَا أَفْرَدَهَا فِي إمَامٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَرَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ إمَامَيْنِ، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا فِي أَحَدِ الْإِمَامَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا مَعًا فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَانَتْ صَلَاتُهُمَا مُجْزِئَةً، وَلَوْ صَلَّيَا مَعًا وَعَلِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا ائْتَمَّ بِالْآخَرِ وَشَكَّا مَعًا فَلَمْ يَدْرِيَا أَيَّهمَا كَانَ إمَامَ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَيْهِمَا مَعًا أَنْ يُعِيدَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمَأْمُومِ غَيْرَ مَا عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ غَيْرُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ، وَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَشُكَّ الْآخَرُ أَعَادَ الَّذِي شَكَّ وَأَجْزَأَ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ صَلَاتُهُ، وَلَوْ صَدَّقَ الَّذِي شَكَّ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ كَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَكُلُّ مَا كُلِّفَ عَمَلَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ عَدَدِ الصَّلَاةِ لَمْ يَجْزِهِ فِيهِ إلَّا عِلْمُ نَفْسِهِ لَا عِلْمُ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَّ فَذَكَّرَهُ رَجُلٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِ الْإِعَادَةَ الْآنَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ لَا بِعِلْمِ غَيْرِهِ. وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً، أَوْ أَكْثَرَ فَعَلِمُوا أَنْ قَدْ صَلُّوا بِصَلَاةِ أَحَدِهِمْ وَشَكَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَكَانَ الْإِمَامَ، أَوْ الْمَأْمُومَ، أَعَادُوا مَعًا، وَلَوْ شَكَّ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَشُكَّ بَعْضُهُمْ أَعَادَ الَّذِينَ شَكُّوا وَلَمْ يُعِدْ الَّذِينَ لَمْ يَشُكُّوا وَكَانَتْ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ.
وَلَيْسَ فِي التَّرَاجِمِ وَفِيهِ نُصُوصٌ، فَمِنْهَا فِي بَابِ الْقَوْلِ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي سَبَقَ فِي تَرَاجِمِ الصَّلاَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ رضي الله عنه: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ ظَهْرَهُ مِنْ الرُّكُوعِ اُعْتُدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ ظَهْرَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلاَ يُعْتَدُّ بِهَا حَتَّى يَصِيرَ رَاكِعًا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ بِحَالِهِ، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فَاطْمَأَنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاسْتَوَى قَائِمًا، أَوْ لَمْ يَسْتَوِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ زَايَلَ الرُّكُوعَ إلَى حَالٍ لاَ يَكُونُ فِيهَا تَامَّ الرُّكُوعِ، ثُمَّ عَادَ فَرَكَعَ لِيُسَبِّحَ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ رَاكِعًا فَرَكَعَ مَعَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَكْمَلَ الرُّكُوعَ أَوَّلاً وَهَذَا رُكُوعٌ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الصَّلاَةِ. قَالَ الرَّبِيعُ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا رَكَعَ وَلَمْ يُسَبِّحْ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ عَادَ فَرَكَعَ لِيُسَبِّحَ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّ رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ كَانَ تَامًّا وَإِنْ لَمْ يُسَبِّحْ فَلَمَّا عَادَ فَرَكَعَ رَكْعَةً أُخْرَى لِيُسَبِّحَ فِيهَا كَانَ قَدْ زَادَ فِي الصَّلاَةِ رَكْعَةً عَامِدًا فَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَمِنْ النُّصُوصِ فِي الْمَسْبُوقِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الصَّلاَةِ مِنْ اخْتِلاَفِ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ مَعَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلاَ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَبِهِ يَأْخُذُ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيُحْتَسَبُ بِذَلِكَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رُكُوعَهُ وَلَوْ رَكَعَ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْرَأْ لَهَا فَيَكُونُ صَلَّى لِنَفْسِهِ بِقِرَاءَةٍ وَلاَ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ. وَمِنْهَا فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَسْبِقُهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلاَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ لَمْ يَقُمْ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي بَابِ مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِشَيْءٍ حُكِيَ هَذَا الْكَلاَمُ أَوَّلاً وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْبُوَيْطِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَأُحِبُّ لَوْ مَكَثَ قَلِيلاً قَدْرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَهْوٌ سَجَدَ فَسَجَدَ مَعَهُ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ فَلْيُحْرِمْ قَائِمًا وَلْيَجْلِسْ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ بِلاَ تَكْبِيرٍ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ فَلْيَقُمْ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الثِّنْتَيْنِ فَلْيَجْلِسْ مَعَهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَلْيَقُمْ بِتَكْبِيرٍ وَمَنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَدْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَسَمِعَ نَغْمَةً فَظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ سَلَّمَ فَقَضَى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَجَلَسَ فَسَمِعَ سَلاَمَ الْإِمَامِ فَهَذَا سَهْوٌ تَحَمَّلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ وَلاَ يُعْتَدُّ بِهَا وَيَقْضِي الرَّكْعَةَ الَّتِي عَلَيْهِ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي خَرَجَ مِنْ صَلاَةٍ فَعَادَ فَقَضَى لِنَفْسِهِ فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ رَاكِعٌ، أَوْ سَاجِدٌ أَلْغَى جَمِيعَ مَا عَمِلَ قَبْلَ سَلاَمِ الْإِمَامِ وَابْتَدَأَ رَكْعَةً ثَانِيَةً بِقِرَاءَتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا بَعْدَ سَلاَمِ الْإِمَامِ قَالَ: فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَابْنِ أَبِي الْجَارُودِ وَأُحِبُّ لِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ أَنْ لاَ يَسْبِقَهُ بِرُكُوعٍ وَلاَ سُجُودٍ وَلاَ عَمَلٍ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ رَاكِعٌ، أَوْ سَاجِدٌ فَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَإِنْ سَبَقَهُ فَرَكَعَ، أَوْ سَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ قَبْلَهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَعُودُ فَيَرْكَعُ بَعْدَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ حَتَّى يَكُونَ إمَّا رَاكِعًا وَإِمَّا سَاجِدًا مَعَهُ وَإِمَّا مُتَّبِعًا لاَ يُجْزِئُهُ إذَا ائْتَمَّ بِهِ فِي عَمَلِ الصَّلاَةِ إلَّا ذَلِكَ وَقَالَ فِي كِتَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعُودَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُهُ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ وَإِذَا تَرَكَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ إذَا ائْتَمَّ بِهِ وَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَضَعَ رَأْسَهُ سَاجِدًا وَيُقِيمَ رَاكِعًا بَعْدَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ إذَا كَانَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ الْإِمَامِ وَإِنْ قَامَ قَبْلَهُ عَادَ حَتَّى يَقْعُدَ بِقَدْرِ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالْقِيَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَقَدْ جَلَسَ وَكَانَ فِي بَعْضِ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ مَعَهُ فَهُوَ كَمَنْ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ قَبْلَهُ فَذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ وَقَدْ أَسَاءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِذَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَصَلَّى الْإِمَامُ خَمْسًا سَاهِيًا وَاتَّبَعَهُ هُوَ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ سَهَا أَجْزَأَتْ الْمَأْمُومَ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ سَبَقَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ سَهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عِنْدِي خِلاَفُ ذَلِكَ وَإِنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ مِنْ الظُّهْرِ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ صَلَّاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ قَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ، وَإِذَا قَامَ قَضَى رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ الْمَغْرِبِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَضَى رَكْعَةً بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَلَمْ يَجْهَرْ وَإِنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً قَامَ فَجَهَرَ فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْأُولَى مِنْ قَضَائِهِ وَلَمْ يَجْهَرْ فِي الثَّالِثَةِ وَقَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ هَذَا آخِرُ مَا نَقَلَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ النُّصُوصِ وَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَتَى بِالثَّانِيَةِ بَعْدَ سَلاَمِ. الْإِمَامِ جَهْرًا كَمَا فِي الصُّبْحِ وَهَكَذَا فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ فِي الْجَوَابِ فِي الْجُمُعَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لاَ تَسُوغُ لِلْمُنْفَرِدِ وَهَذَا قَدْ صَارَ مُنْفَرِدًا بِخِلاَفِ الصُّبْحِ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ تُشْرَعْ لِلْمُنْفَرِدِ وَهَذَا التَّوَقُّفُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْجُمُعَةِ ثَابِتٌ لَهُ وَانْفِرَادُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يُصَيِّرُهَا ظُهْرًا وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فِي تَرْجَمَةِ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ عَلَى شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَجْهَرُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ فِي أَوَاخِرِ التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَ خَوْفٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَانَ مَحْرُوسًا إذَا خَطَبَ بِطَائِفَةٍ وَحَضَرَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّتِي حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ بِقِرَاءَةٍ يَجْهَرُونَ فِيهَا، ثُمَّ وَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَثَبَتَ جَالِسًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ بِقِرَاءَةٍ يَجْهَرُونَ فِيهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ: يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً يَجْهَرُونَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنْفَرِدِ فِي الصَّلاَةِ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيُّ لِجَهْرِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَمَنْ كَانَ مُفْتَدِيًا فَإِنَّهُ يُسْرٌ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جَهَرَتْ الْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجُمُعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ بِخِلاَفِ الْمَسْبُوقِ قُلْنَا هَذَا تَخَيُّلٌ لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَسْبُوقِ. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا النَّصَّ عَنْ الْأُمِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْجَهْرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَتَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ بَعْدَ نَقْلِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ، وَفِي اخْتِلاَفِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّلاَةِ وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ إلَى الْإِمَامِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقْضِي وَلاَ يُكَبِّرُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَهَا وَبِهِ يَأْخُذُ- يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْضِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ فَكَبَّرَ لَمْ يُكَبِّرْ الْمَسْبُوقُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ إنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فِيمَا كَانَ مِنْ الصَّلاَةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} الْآيَةُ، قَالَ: فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ قَصْرَ الصَّلاَةِ فِي الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْخَوْفِ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَلْقِهِ لاَ أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْصُرُوا كَمَا كَانَ قَوْلُهُ: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} رُخْصَةً لاَ أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَكَمَا كَانَ قَوْلُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} يُرِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تَتَّجِرُوا فِي الْحَجِّ لاَ أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّجِرُوا وَكَمَا كَانَ قَوْلُهُ: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} وَكَمَا كَانَ قَوْلُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} الْآيَةُ لاَ أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ وَلاَ بُيُوتِ غَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَصْرُ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ بِالْكِتَابِ، ثُمَّ بِالسُّنَّةِ وَالْقَصْرُ فِي السَّفَرِ بِلاَ خَوْفٍ سُنَّةٌ وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ بِلاَ خَوْفٍ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْصُرُوا كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ. أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عُمَرُ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ الصَّلاَةَ فِي السَّفَرِ وَأَتَمَّ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إذَا سَافَرُوا قَصُرُوا الصَّلاَةَ وَأَفْطَرُوا». أَوْ قَالَ: «لَمْ يَصُومُوا». قال: فَالِاخْتِيَارُ وَاَلَّذِي أَفْعَلُ مُسَافِرًا وَأُحِبُّ أَنْ يُفْعَلَ قَصْرُ الصَّلاَةِ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ وَفِي السَّفَرِ بِلاَ خَوْفٍ وَمَنْ أَتَمَّ الصَّلاَةَ فِيهِمَا لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ جَلَسَ فِي مَثْنًى قَدْرَ التَّشَهُّدِ، أَوْ لَمْ يَجْلِسْ وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْقَصْرِ وَأَنْهَى عَنْهُ إذَا كَانَ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ فِيهِ وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ فِيهِ وَمَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرَ رَغْبَةٍ عَنْ السُّنَّةِ لَمْ أَكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ. قال: وَلاَ اخْتِلاَفَ أَنَّ الْقَصْرَ إنَّمَا هُوَ فِي ثَلاَثِ صَلَوَاتٍ: الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَرْبَعٌ فَيُصَلِّيهِنَّ رَكْعَتَيْنِ وَلاَ قَصْرَ فِي الْمَغْرِبِ وَلاَ الصُّبْحِ وَمِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِالْقَصْرِ بَعْضُ الصَّلاَةِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُ الْكَلاَمِ فِيهَا عَامًّا فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ: قَدْ كَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ أَتَمَّ بَعْضُ أُمَرَائِهِمْ بِمِنًى قِيلَ الْكَرَاهِيَةُ وَجْهَانِ فَإِنْ كَانُوا كَرِهُوا ذَلِكَ اخْتِيَارًا لِلْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَنَخْتَارُ السُّنَّةَ فِي الْقَصْرِ وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ أَنَّ قَاصِرًا قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَرَى الْقَصْرَ إلَّا فِي خَوْفٍ وَقَدْ قَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ خَوْفٍ فَهَكَذَا قُلْنَا نَكْرَهُ تَرْكَ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ رَغْبَةً عَنْهَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- كَرِهَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: صَلاَتُهُمْ مَعَ مَنْ أَتَمَّ أَرْبَعًا وَإِذَا صَلُّوا وُحْدَانًا صَلُّوا رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَكَرَ إتْمَامَ الصَّلاَةِ بِمِنًى فِي مَنْزِلِهِ وَعَابَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْخِلاَفُ شَرٌّ وَلَوْ كَانَ فَرْضُ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُتِمَّهَا إنْ- شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ يُتِمَّهَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ كَمَا وَصَفْت وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّهَا مُسَافِرٌ مَعَ مُقِيمٍ فَإِنْ قَالَ: فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ قِيلَ لَهُ: قَدْ أَتَمَّتْ عَائِشَةُ فِي السَّفَرِ بَعْدَ مَا كَانَتْ تَقْصُرُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهَا؟ قِيلَ لَهُ تَقُولُ فُرِضَتْ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْكَلاَمِ إلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: إذَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَصْرِ فِي الْخَوْفِ فَصَلاَةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ فَإِنْ قَالَ: فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَحَدٍ إنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهَا غَيْرَ مَا قُلْت؟ قُلْنَا مَا لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مَعَهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ، ثُمَّ إجْمَاعِ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الْمُسَافِرِينَ أَرْبَعٌ مَعَ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ وَلَوْ كَانَ فَرْضُ صَلاَتِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا أَرْبَعًا مَعَ مُقِيمٍ وَلاَ غَيْرِهِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ تَخْتَلِفُ صَلاَةُ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ إلَّا فِي الْأَذَانِ وَالْوَقْتِ وَالْقَصْرِ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَهُمَا سَوَاءٌ مَا يُجْهَرُ، أَوْ يُخَافَتُ فِي السَّفَرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَيُخَافَتُ فِي الْحَضَرِ وَيُكْمَلُ فِي السَّفَرِ كَمَا يُكْمَلُ فِي الْحَضَرِ فَأَمَّا التَّخْفِيفُ فَإِذَا جَاءَ بِأَقَلِّ مَا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَجْزَأَهُ لاَ أَرَى أَنْ يُخَفِّفَ فِي السَّفَرِ عَنْ صَلاَةِ الْحَضَرِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَيَأْتِي بِمَا يَجْزِيهِ وَالْإِمَامَةُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ سَوَاءٌ وَلاَ أُحِبُّ تَرْكَ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ وَتَرْكُهُ فِيهِ أَخَفُّ مِنْ تَرْكِهِ فِي الْحَضَرِ وَأَخْتَارُ الِاجْتِمَاعَ لِلصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ صَلَّتْ كُلُّ رُفْقَةٍ عَلَى حِدَتِهَا أَجْزَأَهَا ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ اجْتَمَعَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَإِمَامَةُ الْمُقِيمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ الْمُسَافِرُونَ الْمُقِيمِينَ. وَلاَ يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا كُلِّهَا فَإِذَا دَخَلَ أَدْنَى بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يُرِيدُ الْمُقَامَ بِهَا أَتَمَّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّيْت مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْصُرُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ دُونَ الْعَمَلِ فِي السَّفَرِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَوَى أَنْ يُسَافِرَ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ سَفَرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ قَالَ وَلَوْ أَثْبَتَ بِهِ سَفَرَهُ، ثُمَّ نَوَى أَنْ يُقِيمَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ وَنِيَّةُ الْمُقَامِ مُقَامٌ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ وَتَجْتَمِعُ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَنَّهُ مُقِيمٌ. وَلاَ تَكُونُ نِيَّةُ السَّفَرِ سَفَرًا لِأَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ مُنْفَرِدَةً وَلاَ سَفَرَ مَعَهَا إذَا كَانَ مُقِيمًا وَالنِّيَّةُ لاَ يَكُونُ لَهَا حُكْمٌ إلَّا بِشَيْءٍ مَعَهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً خَرَجَ مُسَافِرًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ افْتَتَحَ الظُّهْرَ يَنْوِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَوَى الْمُقَامَ فِي الظُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ حَتَّى يُتِمَّ أَرْبَعًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ؛ لِأَنَّهُ فِي فَرْضِ الظُّهْرِ لاَ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً فِي الْمُقَامِ وَكَذَلِكَ إذَا فَرَغَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ فَإِذَا سَلَّمَ، ثُمَّ نَوَى أَنْ يُقِيمَ أَتَمَّ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مَا مَضَى وَلَوْ كَانَ نَوَى فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ الْمُقَامَ، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اسْتَأْنَفَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فَافْتَتَحَ يَنْوِي أَنْ يَقْصُرَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُتِمَّ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ صَلاَتِهِ شَيْءٌ، أَوْ بَعْدُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ تَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي صَلاَتِهِ شَيْئًا لَيْسَ مِنْهَا إنَّمَا تَرَكَ الْقَصْرَ الَّذِي كَانَ مُبَاحًا لَهُ وَكَانَ التَّمَامُ غَيْرَ مَحْظُورٍ عَلَيْهِ وَلَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يُكْمِلْ الصَّلاَةَ حَتَّى نَوَى أَنْ يُتِمَّ الصَّلاَةَ بِغَيْرِ مُقَامٍ أَوْ تَرَكَ الرُّخْصَةَ فِي الْقَصْرِ كَانَ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ التَّمَامُ وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ صَلاَتُهُ وَكَانُوا كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ وَلَوْ فَسَدَتْ عَلَى مُسَافِرٍ مِنْهُمْ صَلاَتُهُ وَقَدْ دَخَلَ مَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا وَكَانَ كَمُسَافِرٍ دَخَلَ فِي صَلاَةِ مُقِيمٍ فَفَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ عَدَدُ صَلاَةِ مُقِيمٍ فِي الصَّلاَةِ الَّتِي دَخَلَ مَعَهُ فِيهَا قَالَ وَلَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ خَلْفَ مُسَافِرٍ فَفَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ فَعَلِمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا رَكْعَتَانِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ صَلَّى أَرْبَعًا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ صَلَّى أَرْبَعًا، أَوْ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَرْبَعًا لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ خَلْفَ رَجُلٍ لاَ يَعْلَمُ مُسَافِرٌ هُوَ، أَوْ مُقِيمٌ رَكْعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ الْإِمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ، أَوْ فَسَدَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ صَلاَتُهُ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا صَلَّى بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَرَعَفَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا كَانَ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَالْإِمَامِ الرَّاعِفِ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ الصَّلاَةَ حَتَّى كَانَ فِيهَا فِي صَلاَةِ مُقِيمٍ وَلَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ وَقَصَرَ الْمُسَافِرُونَ إنْ شَاءُوا فَإِنْ نَوَوْا، أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا كَانُوا كَالْمُقِيمِينَ يُتِمُّونَ بِالنِّيَّةِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ التَّمَامُ بِالنِّيَّةِ إذَا نَوَوْا مَعَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْهَا الْإِتْمَامَ فَأَمَّا مَنْ قَامَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ إلَى الصَّلاَةِ يَنْوِي أَرْبَعًا فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى نَوَى اثْنَتَيْنِ، أَوْ نَوَى أَرْبَعًا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَمَّ مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ اثْنَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا سَاهِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مُقِيمُونَ صَلُّوا بِصَلاَتِهِ وَهُمْ يَنْوُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُمْ فَهِيَ عَنْهُمْ مُجْزِئَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُتِمَّ وَتَكُونُ صَلاَتُهُمْ خَلْفَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ نَوَوْا إتْمَامَ الصَّلاَةِ لِأَنْفُسِهِمْ فَصَلاَتُهُمْ تَامَّةٌ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَنْوُوا إتْمَامَ الصَّلاَةِ لِأَنْفُسِهِمْ إلَّا بِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ أَتَمَّ لِنَفْسِهِ لاَ سَهْوًا فَصَلاَتُهُمْ مُجْزِئَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَزِمَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا خَلْفَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ كَانُوا صَلُّوا الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النِّيَّةِ وَعَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ سَاهٍ فَاتَّبَعُوهُ وَلَمْ يُرِيدُوا الْإِتْمَامَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلاَةِ، وَلاَ أَحْسِبُهُمْ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَعْلَمُوا سَهْوَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَيُتِمَّ فَإِذَا أَتَمَّ فَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ اتِّبَاعُهُ مُسَافِرِينَ كَانُوا، أَوْ مُقِيمِينَ فَأَيُّ مُسَافِرٍ صَلَّى مَعَ مُسَافِرٍ، أَوْ مُقِيمٍ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ أَمُسَافِرٌ إمَامُهُ أَمْ مُقِيمٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَمْ يُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الْمُسَافِرَ كَانَ مِمَّنْ يُتِمُّ صَلاَتَهُ تِلْكَ، أَوْ لاَ وَإِذَا افْتَتَحَ الْمُسَافِرُ الصَّلاَةَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ ذَهَبَ عَلَيْهِ أَنَوَى عِنْدَ افْتِتَاحِهَا الْإِتْمَامَ أَوْ الْقَصْرَ؟ فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّهُ افْتَتَحَهَا يَنْوِي الْقَصْرَ بَعْدَ نِسْيَانِهِ فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا فِي حَالٍ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهَا بِحَالٍ وَلَوْ أَفْسَدَهَا صَلَّاهَا تَمَامًا لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ يَنْوِيهَا لاَ يَنْوِي بِهَا قَصْرًا وَلاَ إتْمَامًا كَانَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ الْقَصْرُ. إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ مَعَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ لاَ تَقْدُمُ نِيَّةَ الدُّخُولُ وَلاَ الدُّخُولُ نِيَّةَ الْقَصْرِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ وَلَوْ افْتَتَحَهَا وَنِيَّتُهُ لِقَصْرٍ ثُمَّ نَوَى أَنْ يُتِمَّ، أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ فِي الْقَصْرِ أَتَمَّ فِي كُلِّ حَالٍ وَلَوْ جَهِلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ فَأَتَمَّ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً وَلَوْ جَهِلَ رَجُلٌ يَقْصُرُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ أَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ قَصَرَهَا وَلَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِمَّا لَمْ يَقْصُرْ مِنْ الصَّلاَةِ وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ فَأَتَمَّ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ وَقَصَرَ بَعْضَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ صَلاَةً وَنَزَعَ وَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ صَلاَةً كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَمَا لَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُسَافِرًا وَأَفْطَرَ آخَرَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا رَقَدَ رَجُلٌ عَنْ صَلاَةٍ فِي سَفَرٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ صَلَّاهَا صَلاَةَ حَضَرٍ وَلاَ تَجْزِيهِ عِنْدِي إلَّا هِيَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ الْقَصْرُ فِي حَالٍ فَزَالَتْ تِلْكَ الْحَالُ فَصَارَ يَبْتَدِئُ صَلاَتَهَا فِي حَالٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا الْقَصْرُ وَلَوْ نَسِيَ صَلاَةَ ظُهْرٍ لاَ يَدْرِي أَصَلاَةَ حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ؟ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلاَةَ حَضَرٍ إنْ صَلَّاهَا مُسَافِرًا، أَوْ مُقِيمًا، وَلَوْ نَسِيَ ظُهْرًا فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا بَعْدَ فَوْتِهَا فِي السَّفَرِ صَلَّاهَا صَلاَةَ حَضَرٍ لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوْ ذَكَرَهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلاَةَ سَفَرٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ وَهِيَ تِسْعٌ، أَوْ عَشْرٌ. فَدَلَّ قَصْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُقْصَرَ فِي مِثْلِ مَا قَصَرَ فِيهِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَجُزْ الْقِيَاسُ عَلَى قَصْرِهِ إلَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَنْ لاَ يُقْصَرَ إلَّا فِي مِثْلِ مَا قَصَرَ فِيهِ وَفَوْقَهُ فَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ يُقْصَرَ فِي أَقَلَّ مِنْ سَفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَصَرَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ إذَا قَصَرَ فِي سَفَرٍ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنْ لاَ يُقْصَرَ فِيمَا دُونَهُ أَنْ يُقْصَرَ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ، وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنْ يُقْصَرَ فِيمَا دُونَ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ عَامَّةَ مَنْ حَفِظْنَا عَنْهُ لاَ يَخْتَلِفُ فِي أَنْ لاَ يُقْصَرَ فِيمَا دُونَهُمَا فَلِلْمَرْءِ عِنْدِي أَنْ يَقْصُرَ فِيمَا كَانَ مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَيْلاً بِالْهَاشِمِيِّ، وَلاَ يَقْصُرُ فِيمَا دُونَهَا، وَأَمَّا أَنَا فَأُحِبُّ أَنْ لاَ أَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ احْتِيَاطًا عَلَى نَفْسِي، وَإِنَّ تَرْكَ الْقَصْرِ مُبَاحٌ لِي فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ فِي أَنْ يَقْصُرَ فِي يَوْمَيْنِ حُجَّةٌ بِخَبَرٍ مُتَقَدِّمٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ أَنَقْصُرُ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ؟: لاَ وَلَكِنْ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ قَالَ وَأَقْرَبُ هَذَا مِنْ مَكَّةَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَيْلاً بِالْأَمْيَالِ الْهَاشِمِيَّةِ وَهِيَ مَسِيرَةُ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ دَبِيبَ الْأَقْدَامِ وَسَيْرَ الثِّقَلِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَكِبَ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ فَقَصَرَ الصَّلاَةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصْبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إلَى رِئْمٍ فَقَصَرَ الصَّلاَةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ قَالَ: مَالِكٌ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَقَلَّ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ الَّذِي يُسَافِرُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْزِلُ قَرْيَةً، أَوْ صَحْرَاءَ فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَهَا وَلاَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْهَا بَيْتٌ مُنْفَرِدًا وَلاَ مُتَّصِلاً وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَ الْبُقْعَةَ الَّتِي فِيهَا مَنْزِلُهُ فَإِنْ كَانَ فِي عَرْضِ وَادٍ فَحَتَّى يَقْطَعَ عَرْضَهُ وَإِنْ كَانَ فِي طُولِ وَادٍ فَحَتَّى يَبِينَ عَنْ مَوْضِعِ مَنْزِلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي حَاضِرٍ مُجْتَمِعٍ فَحَتَّى يُجَاوِزَ مِطَالَ الْحَاضِرِ وَلَوْ كَانَ فِي حَاضِرٍ مُفْتَرِقٍ فَحَتَّى يُجَاوِزَ مَا قَارَبَ مَنْزِلَهُ مِنْ الْحَاضِرِ وَإِنْ قَصَرَ فَلَمْ يُجَاوِزْ مَا وَصَفْت أَعَادَ الصَّلاَةَ الَّتِي قَصَرَهَا فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ فَقَصَدَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ لِيُقِيمَ فِيهِ أَرْبَعًا ثُمَّ يُسَافِرَ إلَى غَيْرِهِ قَصَرَ الصَّلاَةَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَوَى الْمُقَامَ فِيهِ فَإِنْ بَلَغَهُ وَأَحْدَثَ نِيَّةً فِي أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْضِعَ اجْتِيَازٍ لاَ مُقَامٍ أَتَمَّ فِيهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ مُسَافِرًا قَصَرَ وَيُتِمُّ بِنِيَّةِ الْمُقَامِ؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ يَكُونُ بِنِيَّةٍ وَلاَ يَقْصُرُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ حَتَّى يَثْبُتَ بِهِ السَّيْرُ. وَلَوْ خَرَجَ يُرِيدُ بَلَدًا يُقِيمُ فِيهَا أَرْبَعًا ثُمَّ بَلَدًا بَعْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَلَدُ الَّذِي نَوَى أَنْ يَأْتِيَهُ أَوَّلاً مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَقْصُرْهَا إلَيْهِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُرِيدُ مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ مِنْ مَوْضِعِ مَخْرَجِهِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهِ أَرْبَعًا قَصَرَ وَإِلَّا لَمْ يَقْصُرْ فَإِنْ رَجَعَ مِنْ الْبَلَدِ الثَّانِي يُرِيدُ بَلَدَهُ قَاصِدًا وَهُوَ مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَجْعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى بَلَدٍ لاَ يُعَرِّجُهُ عَنْ الطَّرِيقِ وَلاَ يُرِيدُ بِهِ مُقَامًا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ إذَا كَانَتْ غَايَةُ سَفَرِهِ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِالْبَلَدِ دُونَهُ مُقَامًا وَلاَ حَاجَةَ وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ وَإِنَّمَا لاَ يَقْصُرُ إذَا قَصَدَ فِي حَاجَةٍ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا لاَ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ وَإِذَا أَرَادَ بَلَدًا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ فَأَثْبَتَ بِهِ سَفَرَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَلَدَ، أَوْ مَوْضِعًا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ أَتَمَّ، وَإِذَا أَتَمَّ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَمْضِيَ بِوَجْهِهِ أَتَمَّ بِحَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَايَةُ مِنْ سَفَرِهِ مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي أَتَمَّ إلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ رَجُلٌ بَلَدًا لَهُ طَرِيقَانِ الْقَاصِدُ مِنْهُمَا إذَا سَلَكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالْآخَرُ إذَا سَلَكَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ فَأَيَّ الطَّرِيقَيْنِ سَلَكَ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَصْرُ الصَّلاَةِ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ قَصْرُ الصَّلاَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَيْهَا طَرِيقٌ إلَّا مَسَافَةَ قَدْرِ مَا تُقْصَرُ إلَيْهَا الصَّلاَةُ إلَّا مِنْ عَدُوٍّ يَتَخَوَّفُ فِي الطَّرِيقِ الْقَاصِدِ، أَوْ حُزُونَةٍ، أَوْ مِرْفَقٍ لَهُ فِي الطَّرِيقِ الْأَبْعَدِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ إذَا كَانَتْ مَسَافَةُ طَرِيقِهِ مَا يُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِي الْقَصْرِ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ إذَا سَافَرُوا مَعًا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا مَنْ سَافَرَ بَاغِيًا عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهَدٍ، أَوْ يَقْطَعُ طَرِيقًا، أَوْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعَبْدُ يَخْرُجُ آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ، أَوْ الرَّجُلُ هَارِبًا لِيَمْنَعَ حَقًّا لَزِمَهُ، أَوْ مَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فَإِنْ قَصَرَ أَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الرُّخْصَةُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا أَلاَ تَرَى إلَى قوله تعالى: {فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} وَهَكَذَا لاَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلاَ يَجْمَعُ الصَّلاَةَ مُسَافِرٌ فِي مَعْصِيَةٍ وَهَكَذَا لاَ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ نَافِلَةً وَلاَ يُخَفِّفُ عَمَّنْ كَانَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَحَجَّ أَتَمَّ الصَّلاَةَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَكَذَلِكَ أَهْلُ عَرَفَةَ وَمِنًى وَمَنْ قَارَبَ مَكَّةَ مِمَّنْ لاَ يَكُونُ سَفَرُهُ إلَى عَرَفَةَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَسَوَاءٌ فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ السَّفَرُ الْمُتْعِبُ وَالْمُتَرَاخِي، وَالْخَوْفُ فِي السَّفَرِ بِطَلَبٍ أَوْ هَرَبٍ، وَالْأَمْنُ لِأَنَّ الْقَصْرَ إنَّمَا هُوَ فِي غَايَةٍ لاَ فِي تَعَبٍ وَلاَ فِي رَفَاهِيَةٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِالتَّعَبِ لَمْ يَقْصُرْ فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ فِي الْمَحَامِلِ وَقَصْدِ السَّيْرِ، وَقَصَرَ فِي السَّفَرِ الْقَاصِدِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَالدَّابَّةِ فِي التَّعَبِ وَالْخَوْفِ فَإِذَا حَجَّ الْقَرِيبُ الَّذِي بَلَدُهُ مِنْ مَكَّةَ بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فَأَزْمَعَ بِمَكَّةَ مُقَامَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ وَإِذَا خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ قَضَاءَ نُسُكِهِ لاَ يُرِيدُ مُقَامَ أَرْبَعٍ إذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ يَقْصُرُ مُقَامُهُ بِسَفَرٍ وَيُصَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ إذَا قَضَى نُسُكَهُ مُقَامَ أَرْبَعٍ بِمَكَّةَ أَتَمَّ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَمَكَّةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ مُسَافِرًا فَيَقْصُرُ وَإِذَا وَلَّى مُسَافِرٌ مَكَّةَ بِالْحَجِّ قَصَرَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ أَتَمَّ بِهَا وَبِعَرَفَةَ وَبِمِنًى؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى الْبَلَدِ الَّذِي بِهَا مُقَامُهُ مَا لَمْ يَعْزِلْ، وَكَذَلِكَ مَكَّةَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَالسُّوقَةُ لاَ يَخْتَلِفُونَ وَهَكَذَا لَوْ عُزِلَ أَمِيرُ مَكَّةَ فَأَرَادَ السَّفَرَ أَتَمَّ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَكَانَ كَرَجُلٍ أَرَادَ سَفَرًا وَلَمْ يُسَافِرْ.
قَالَ: وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَيْلاً وَنَهَارًا قَصَرَ، أَوْ لَمْ يَقْصُرْ وَثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ لَيْلاً وَهُوَ يَقْصُرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ مُسَافِرًا رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا وَثَابِتٌ عَنْهُ أَنَّهُ تَنَفَّلَ عَامَ الْفَتْحِ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ ضُحًى وَقَدْ قَصَرَ عَامَ الْفَتْحِ.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ جُلَسَاءَهُ: مَا سَمِعْتُمْ فِي مُقَامِ الْمُهَاجِرِينَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: حَدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاَثًا». فَبِهَذَا قُلْنَا: إذَا أَزْمَعَ الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لَيْسَ فِيهِنَّ يَوْمٌ كَانَ فِيهِ مُسَافِرًا فَدَخَلَ فِي بَعْضِهِ وَلاَ يَوْمٌ يَخْرُجُ فِي بَعْضِهِ أَتَمَّ الصَّلاَةَ وَاسْتِدْلاَلاً بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاَثًا». وَإِنَّمَا يَقْضِي نُسُكَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ وَالْمُسَافِرُ لاَ يَكُونُ دَهْرُهُ سَائِرًا وَلاَ يَكُونُ مُقِيمًا وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا مُقَامَ سَفَرٍ وَسَائِرًا قَالَ فَأَشْبَهَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ مُقَامِ الْمُهَاجِرِ ثَلاَثًا حَدُّ مُقَامِ السَّفَرِ وَمَا جَاوَزَهُ كَانَ مُقَامَ الْإِقَامَةِ». وَلَيْسَ يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ فِيهِ سَائِرًا، ثُمَّ قَدِمَ وَلاَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ فِيهِ مُقِيمًا، ثُمَّ سَارَ وَأَجْلَى عُمَرُ رضي الله تعالى عنه أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ الْحِجَازِ وَضَرَبَ لِمَنْ يَقْدُمُ مِنْهُمْ تَاجِرًا مُقَامَ ثَلاَثٍ فَأَشْبَهَ مَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى ثَلاَثًا يَقْصُرُ وَقَدِمَ فِي حَجَّتِهِ فَأَقَامَ ثَلاَثًا قَبْلَ مَسِيرِهِ إلَى عَرَفَةَ يَقْصُرُ وَلَمْ يَحْسِبْ الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَائِرًا وَلاَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِيهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا فِي سَفَرٍ قَصَرَ فِيهِ الصَّلاَةَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُقِيمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلَّا مُقَامَ مُسَافِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي لاَ يُقِيمُ فَكَانَ غَايَةُ مُقَامِ الْمُسَافِرِ مَا وَصَفْت اسْتِدْلاَلاً بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُقَامِهِ فَإِنْ قَصَرَ الْمُجْمِعُ مَقَامَ أَرْبَعٍ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ كُلِّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا مَقْصُورَةً وَإِذَا قَدِمَ بَلَدًا لاَ يُجْمَعُ الْمُقَامُ بِهِ أَرْبَعًا فَأَقَامَ بِبَلَدٍ لِحَاجَةٍ، أَوْ عِلَّةٍ مِنْ مَرَضٍ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْخُرُوجِ إذَا أَفَاقَ، أَوْ فَرَغَ وَلاَ غَايَةَ لِفَرَاغِهِ يَعْرِفُهَا قَدْ يَرَى فَرَاغَهُ فِي سَاعَةٍ وَلاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَكُونَ أَيَّامًا فَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا غَيْرَ مُقَامِ حَرْبٍ وَلاَ خَوْفِ حَرْبٍ قَصَرَ فَإِذَا جَاوَزَ مُقَامَ أَرْبَعٍ أَحْبَبْت أَنْ يُتِمَّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَعَادَ مَا صَلَّى بِالْقَصْرِ بَعْدَ أَرْبَعٍ وَلَوْ قِيلَ الْحَرْبُ وَغَيْرُ الْحَرْبِ فِي هَذَا سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبًا وَمَنْ قَصَرَ كَمَا يَقْصُرُ فِي خَوْفِ الْحَرْبِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ، وَإِنْ اخْتَرْت مَا وَصَفْت وَإِنْ كَانَ مُقَامُهُ لِحَرْبٍ أَوْ خَوْفِ حَرْبٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ يَقْصُرُ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمُقَامِ لِلْخَوْفِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا جَاوَزَ مُقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ أَتَمَّ فِيهِ الْمُقِيمُ الصَّلاَةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقَصْرُ أَمَّا كَانَتْ هَذِهِ، أَوْ يَقْضِي الْحَرْبَ فَلَمْ أَعْلَمْ فِي مَذَاهِبِ الْعَامَّةِ الْمَذْهَبَ الْآخَرَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَذْهَبًا الْمَذْهَبُ الْآخَرُ فَالْأَوَّلُ، أَوْلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ أَثْنَاءَهُ لَيْسَ بِبَلَدِ مُقَامِهِ لِحَرْبٍ، أَوْ خَوْفٍ، أَوْ تَأَهُّبٍ لِحَرْبٍ قَصَرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَإِذَا جَاوَزَهَا أَتَمَّ الصَّلاَةَ حَتَّى يُفَارِقَ الْبَلَدَ تَارِكًا لِلْمُقَامِ بِهِ آخِذًا فِي سَفَرِهِ وَهَكَذَا إنْ كَانَ مُحَارِبًا، أَوْ خَائِفًا مُقِيمًا فِي مَوْضِعِ سَفَرٍ قَصَرَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ فَإِذَا جَاوَزَهَا أَتَمَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ خَائِفٍ قَصَرَ أَرْبَعًا فَإِذَا جَاوَزَهَا أَتَمَّ فَإِذَا أَجْمَعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ مُقَامَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ خَائِفًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ خَائِفٍ وَلَوْ سَافَرَ رَجُلٌ فَمَرَّ بِبَلَدٍ فِي سَفَرِهِ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا وَقَالَ إنْ لَقِيت فُلاَنًا أَقَمْت أَرْبَعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ قَصَرَ حَتَّى يَلْقَى فُلاَنًا فَإِذَا لَقِيَ فُلاَنًا أَتَمَّ وَإِنْ لَقِيَ فُلاَنًا فَبَدَا لَهُ أَنْ لاَ يُقِيمَ أَرْبَعًا أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى الْمُقَامَ بِلِقَائِهِ وَلَقِيَهُ وَالْمُقَامُ يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْمُقَامِ لِاجْتِمَاعِ النِّيَّةِ وَالْمُقَامِ. وَنِيَّةُ السَّفَرِ لاَ يَكُونُ لَهُ بِهَا الْقَصْرُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا سَفَرٌ فَتَجْتَمِعُ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ وَلَوْ قَدِمَ الْبَلَدَ فَقَالَ: إنْ قَدِمَ فُلاَنٌ أَقَمْت فَانْتَظَرَهُ أَرْبَعًا أَتَمَّ بَعْدَهَا فِي الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَرْت وَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ فُلاَنٌ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَنَازِلِ الْقَرْيَةِ قَصَرَ وَإِنْ سَافَرَ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَهُ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَالٌ، أَوْ أَمْوَالٌ، أَوْ مَاشِيَةٌ، أَوْ مَوَاشٍ فَنَزَلَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ مَا لَمْ يَجْمَعْ الْمُقَامَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَرْبَعًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ذُو قَرَابَةٍ، أَوْ أَصْهَارٌ، أَوْ زَوْجَةٌ وَلَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ أَرْبَعًا قَصَرَ إنْ شَاءَ قَدْ قَصَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ وَفِي حَجَّتِهِ وَفِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَلِعَدَدٍ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَقَرَابَاتٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ لَهُ بِمَكَّةَ دَارٌ وَقَرَابَةٌ وَعُمَرُ لَهُ بِمَكَّةَ دُورٌ كَثِيرَةٌ وَعُثْمَانُ لَهُ بِمَكَّةَ دَارٌ وَقَرَابَةٌ فَلَمْ أَعْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدًا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِتْمَامِ وَلاَ أَتَمَّ وَلاَ أَتَمُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُدُومِهِمْ مَكَّةَ بَلْ حُفِظَ عَمَّنْ حَفِظَ عَنْهُ مِنْهُمْ الْقَصْرُ بِهَا وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ يُرِيدُ لِقَاءَ رَجُلٍ، أَوْ أَخْذَ عَبْدٍ لَهُ، أَوْ ضَالَّةٍ بِبَلَدٍ مَسِيرَةَ أَقَلِّ مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ، أَوْ أَكْثَرَ فَقَالَ إنْ: لَقِيت الْحَاجَةَ دُونَ الْبَلَدِ رَجَعْت لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ حَتَّى تَكُونَ نِيَّتُهُ بُلُوغَ الْبَلَدِ الَّذِي تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ لاَ نِيَّةَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ دُونَهُ بِحَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ خَرَجَ يُرِيدُ بَلَدًا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ بِلاَ نِيَّةٍ أَنْ يَبْلُغَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ لَعَلِيِّ أَبْلُغَهُ، أَوْ أَرْجِعَ عَنْهُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَنْوِيَ بِكُلِّ حَالَةٍ بُلُوغَهُ وَلَوْ خَرَجَ يَنْوِي بُلُوغَهُ لِحَاجَةٍ لاَ يَنْوِي إنْ قَضَاهَا دُونَهُ الرُّجُوعَ كَانَ لَهُ الْقَصْرُ فَمَتَى لَقِيَ الْحَاجَةَ دُونَهُ، أَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِلاَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ- وَكَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي بَلَغَ مِمَّا لاَ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ- أَتَمَّ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي بَلَغَ مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ لَوْ ابْتَدَأَ إلَيْهِ السَّفَرَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ مِنْهُ قَصَرَ الصَّلاَةَ وَلَوْ بَدَا لَهُ الْمُقَامُ بِهِ أَتَمَّ حَتَّى يُسَافِرَ مِنْهُ ثُمَّ يَقْصُرَ إذَا سَافَرَ وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ يُرِيدُ بَلَدًا، ثُمَّ بَلَدًا بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ الْأَدْنَى مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ قَصَرَهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَقْصُرْهَا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَقْصُرْ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ مِثْلَ مُبْتَدِئِ سَفَرِهِ كَابْتِدَائِهِ مِنْ أَهْلِهِ. وَإِذَا رَجَعَ مِنْ الْبَلَدِ الْأَقْصَى فَإِنْ أَرَادَ بَلَدَهُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَقْصُرُ وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ ثُمَّ بَلَدِهِ لَمْ يَقْصُرْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ إيَّاهَا طَرِيقًا فَيَقْصُرُ، وَإِذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ قَصَرَ فَإِنْ خَافَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ بِعُسْفَانَ فَأَرَادَ الْمُقَامَ بِهِ، أَوْ الْخُرُوجَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ الْمَدِينَةِ لِيُقِيمَ، أَوْ يَرْتَادَ الْخَيْرَ بِهِ جَعَلْته إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ الْأُولَى مِنْ سَفَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ مُبْتَدِئًا السَّفَرَ مِنْ عُسْفَانَ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ الَّذِي يُرِيدُهُ مِنْ عُسْفَانَ عَلَى مَا لاَ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَقْصُرْ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ، وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ مِنْهُ يُرِيدُ مَكَّةَ أَوْ بَلَدًا سِوَاهُ جَعَلْته مُبْتَدِئًا سَفَرًا مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ حَيْثُ يُرِيدُ مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَقْصُرْ وَالْمُسَافِرُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ بِسَيْرِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ كَمَا لاَ يُعْتَبَرُ بِسَيْرِ الْبَرِّ وَلاَ الْخَيْلِ وَلاَ نُجُبِ الرِّكَابِ وَلاَ زَحْفَ الْمُقْعَدِ وَلاَ دَبِيبَ الزَّمِنِ وَلاَ سَيْرَ الْأَحْمَالِ الثِّقَالِ، وَلَكِنْ إذَا سَافَرَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مَسِيرَةً يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْبَرِّ قُصِرَتْ فِيهَا الصَّلاَةُ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْصُرُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِأَنَّهَا مَسِيرَةُ مَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاَةُ. وَالْمُقَامُ فِي الْمَرَاسِي وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُقَامُ فِيهَا فِي الْأَنْهَارِ كَالْمُقَامِ فِي الْبِرِّ، لاَ يَخْتَلِفُ فَإِذَا أَزْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فِي مَوْضِعٍ أَتَمَّ وَإِذَا لَمْ يُزْمِعْ مُقَامَ أَرْبَعٍ قَصَرَ وَإِذَا حَبَسَهُ الرِّيحُ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُزْمِعْ مُقَامًا إلَّا لِيَجِدَ السَّبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ بِالرِّيحِ قَصَرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعٍ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعٌ أَتَمَّ كَمَا وَصَفْت فِي الِاخْتِيَارِ فَإِذَا أَثْبَتَ بِهِ مَسِيرَةً قَصَرَ فَإِنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ قَصَرَ حَتَّى يَجْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَيُتِمَّ حِينَ يَجْمَعُ بِالنِّيَّةِ مُقَامَ أَرْبَعٍ، أَوْ يُقِيمُ أَرْبَعًا إنْ لَمْ يُزْمِعْ مُقَامًا، فَيُتِمُّ بِمُقَامِ أَرْبَعٍ فِي الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَالِكًا لِلسَّفِينَةِ وَكَانَ فِيهَا مَنْزِلُهُ وَكَانَ مَعَهُ فِيهَا أَهْلُهُ، أَوْ لاَ أَهْلَ لَهُ مَعَهُ فِيهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُتِمَّ وَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ إذَا سَافَرَ وَعَلَيْهِ حَيْثُ أَرَادَ مُقَامًا غَيْرَ مُقَامِ سَفَرٍ أَنْ يُتِمَّ وَهُوَ فِيهَا كَالْغَرِيبِ يَتَكَارَاهَا لاَ يَخْتَلِفَانِ فِيمَا لَهُ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَهَكَذَا أُجَرَاؤُهُ وَرُكْبَانُ مَرْكَبِهِ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَدَارُهُ حَيْثُ أَرَادَ الْمُقَامَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ مَالَ لَهُ وَلاَ دَارَ يَصِيرُ إلَيْهَا وَكَانَ سَيَّارَةً يَتَّبِعُ أَبَدًا مَوَاقِعَ الْقَطْرِ حَلَّ بِمَوْضِعٍ، ثُمَّ شَامَ بَرْقًا فَانْتَجَعَهُ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ بِبَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ قَصَرَ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يَقْصُرْ، وَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ بِبَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ وَكَانَتْ نِيَّتُهُ إنْ مَرَّ بِمَوْضِعٍ مُخْصِبٍ أَوْ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمَنْزِلِ دُونَهُ أَنْ يَنْزِلَ لَمْ يَقْصُرْ أَبَدًا مَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ حَمِدَ مِنْ الْأَرْضِ. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ يُرِيدُ سَفَرًا لاَ عُرْجَةَ لَهُ عَنْهُ إلَّا عُرْجَةَ الْمَنْزِلِ وَيَبْلُغُ وَيَكُونُ السَّفَرُ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ بَلَدٍ يُرِيدُونَ بَلَدًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَنِيَّتُهُمْ إذَا مَرُّوا بِمَوْضِعٍ مُخْصِبٍ أَنْ يَرْتَعُوا فِيهِ مَا احْتَمَلَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُمْ أَنْ يَرْتَعُوا فِيهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لاَ يَبْلُغُوا أَنْ يَنْوُوا فِي مُقَامِ أَرْبَعٍ فَلَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا، وَإِذَا مَرُّوا بِمَوْضِعٍ فَأَرَادُوا فِيهِ مُقَامَ أَرْبَعٍ أَتَمُّوا فَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا مُقَامَ أَرْبَعٍ وَأَقَامُوا أَرْبَعًا أَتَمُّوا بَعْدَ مُقَامِ الْأَرْبَعِ فِي الِاخْتِيَارِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الْآيَةُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «شَاهِدٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَشْهُودٌ يَوْمُ عَرَفَةَ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَدَلَّتْ السُّنَّةُ مِنْ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الْآخَرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «بَائِدَ أَنَّهُمْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَحْنُ الْآخَرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي الْجُمُعَةَ: فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ السَّبْتُ وَالْأَحَدُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالتَّنْزِيلُ، ثُمَّ السُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى إيجَابِ الْجُمُعَةِ وَعُلِمَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْيَوْمُ الَّذِي بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالسَّبْتِ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي يَعْلَمُهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْجَمَاعَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا نَقَلُوا الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْمَغْرِبَ ثَلاَثًا وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ عُرُوبَةٌ. قَالَ الشَّاعِرُ: نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمُو خَلَطُوا *** يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَزْوَادًا بِأَزْوَادٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخِطْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ. أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً مِنْ بَنِي وَائِلٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَمْلُوكًا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبَلَدٍ تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مِنْ بَالِغٍ حُرٍّ لاَ عُذْرَ لَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعُذْرُ الْمَرَضُ الَّذِي لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِأَنْ يَزِيدَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ يَبْلُغَ بِهِ مَشَقَّةً غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ يَحْبِسَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ بِالْغَلَبَةِ، أَوْ يَمُوتَ بَعْضُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ مِنْ قَرَابَةٍ، أَوْ ذِي آصِرَةٍ مِنْ صِهْرٍ، أَوْ مَوَدَّةٍ، أَوْ مَنْ يَحْتَسِبُ فِي وِلاَيَةِ أَمْرِهِ الْأَجْرَ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَلَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ مَرِضَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَالِدٌ فَرَآهُ مَنْزُولاً بِهِ وَخَافَ فَوْتَ نَفْسِهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِهِ وَكَانَ ضَائِعًا لاَ قَيِّمَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَهُ قَيِّمٌ غَيْرُهُ لَهُ شُغْلٌ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ عَنْهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ دُعِيَ وَهُوَ يَسْتَحِمُّ لِلْجُمَعَةِ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَهُوَ يَمُوتُ فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَصَابَهُ غَرَقٌ، أَوْ حَرْقٌ، أَوْ سُرِقَ وَكَانَ يَرْجُو فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ الْجُمُعَةِ دَفْعَ ذَلِكَ، أَوْ تَدَارُكَ شَيْءٍ فَلَتَ مِنْهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ ضَلَّ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ مَالٌ مِنْ رَقِيقٍ، أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرَجَا فِي تَخَلُّفِهِ تَدَارُكَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ خَائِفًا إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَحْبِسَهُ السُّلْطَانُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَحْبِسُهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فِي دَمٍ، أَوْ حَدٍّ لَمْ يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَلاَ الْهَرَبُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَرْجُو أَنْ يَدْفَعَ الْحَدَّ بِعَفْوٍ، أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ بِصُلْحٍ فَأَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ تَغَيُّبُهُ عَنْ غَرِيمٍ لِعُسْرَةٍ وَسِعَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَمْ يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ خَوْفَ الْحَبْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ سَفَرًا لَمْ أُحِبَّ لَهُ فِي الِاخْتِيَارِ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَدْ أَجْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَمِثْلُ الْمُقِيمِ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَلاَ يُحْرَجُ عِنْدِي بِالتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَلَهُ أَنْ يَسِيرَ وَلاَ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَبْصَرَ رَجُلاً عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ وَهُوَ يَقُولُ لَوْلاَ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَاخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لاَ تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَمُرَّ بِبَلَدٍ جَمَعَهُ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَتَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَتْ فِي مُقَامِهِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْمَعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِينَ وَلاَ عَلَى النِّسَاءِ وَلاَ عَلَى الْعَبِيدِ جُمُعَةٌ وَأُحِبُّ لِلْعَبِيدِ إذَا أُذِنَ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا وَلِلْعَجَائِزِ إذَا أُذِنَ لَهُمْ وَلِلْغِلْمَانِ وَلاَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا يُحْرَجُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ بِحَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَسَائِرُ الْعَبِيدِ فِي هَذَا سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أُعْتِقَ بَعْضُ الْعَبْدِ فَكَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي يَوْمِهِ الَّذِي يُتْرَكُ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ أَقُلْ لَهُ إنَّهُ يُحْرَجُ كَمَا يُحْرَجُ الْحُرُّ لَوْ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهَا لاَزِمَةٌ لِلْحُرِّ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهَذَا قَدْ يَأْتِي عَلَيْهِ أَحْوَالٌ لاَ تَلْزَمُهُ فِيهَا لِلرِّقِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ قُلْت لاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ لِلْعُذْرِ بِالْحَبْسِ، أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَالْمَمَالِيكِ فَإِذَا شَهِدَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ الْجُمُعَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا قِيلَ لاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- لاَ يُحْرَجُونَ بِتَرْكِهَا كَمَا يَكُونُ الْمَرْءُ فَقِيرًا لاَ يَجِدُ مَرْكَبًا وَزَادًا فَيَتَكَلَّفُ الْمَشْيَ وَالتَّوَصُّلَ بِالْعَمَلِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَسْأَلَةِ فَيَحُجُّ فَيَجْزِي عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ كَبِيرًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ فَيَتَحَامَلُ عَلَى أَنْ يَرْبِطَ عَلَى دَابَّةٍ فَيَكُونُ لَهُ حَجٌّ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مُسَافِرًا، أَوْ مَرِيضًا مَعْذُورًا بِتَرْكِ الصَّوْمِ فَيَصُومُ فَيَجْزِي عَنْهُ لَيْسَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلاَءِ لاَ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَ مِنْ. هَذَا فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يُحْرَجُ بِتَرْكِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أُحِبُّ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ مِنْ الْأَحْرَارِ لِلْعُذْرِ وَلاَ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَالْعَبِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، أَوْ يَتَوَخَّى انْصِرَافَهُ بِأَنْ يَحْتَاطَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ انْصَرَفَ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ إتْيَانُهَا خَيْرًا لَهُ وَلاَ أَكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً حَيْثُ كَانُوا إذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ رَغْبَةٍ عَنْ الصَّلاَةِ مَعَ الْإِمَامِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلُّوا جَمَاعَةً، أَوْ فُرَادَى بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلُّوا جَمَاعَةً، أَوْ فُرَادَى فَأَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّوْهَا وَهِيَ لَهُمْ نَافِلَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ لاَ عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ صَلَّاهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا إذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ ظُهْرًا أَرْبَعًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَكَانَ عَلَيْهِ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا فَاتَتْهُ صَلَّاهَا قَضَاءً وَكَانَ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ حَتَّى فَاتَهُ وَقْتُهَا وَيُصَلِّيَهَا قَضَاءً وَيَجْمَعَهَا وَلاَ أَكْرَهُ جَمْعَهَا إلَّا أَنْ يَجْمَعَهَا اسْتِخْفَافًا بِالْجُمُعَةِ، أَوْ رَغْبَةً عَنْ الصَّلاَةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَآمُرُ أَهْلَ السِّجْنِ وَأَهْلَ الصِّنَاعَاتِ عَنْ الْعَبِيدِ بِأَنْ يَجْمَعُوا وَإِخْفَاؤُهُمْ الْجَمْعَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ إعْلاَنِهِ خَوْفًا أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ أَنَّهُمْ جَمَعُوا رَغْبَةً عَنْ الصَّلاَةِ مَعَ الْأَئِمَّةِ.
|